القول في تأويل قوله عز ذكره (
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وكتبنا على هؤلاء
اليهود الذين يحكمونك ، يا
محمد ، وعندهم التوراة فيها حكم الله .
ويعني بقوله : "وكتبنا " ، وفرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النفس إذا قتلت نفسا بغير حق "بالنفس " ، يعني : أن تقتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة ،
[ ص: 359 ] "والعين بالعين " ، يقول : وفرضنا عليهم فيها أن يفقئوا العين التي فقأ صاحبها مثلها من نفس أخرى بالعين المفقوءة ، ويجدع الأنف بالأنف ، وتقطع الأذن بالأذن ، وتقلع السن بالسن ، ويقتص من الجارح غيره ظلما للمجروح .
وهذا إخبار من الله تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم عن
اليهود وتعزية منه له عن كفر من كفر منهم به بعد إقراره بنبوته ، وإدباره عنه بعد إقباله ، وتعريف منه له جراءتهم قديما وحديثا على ربهم وعلى رسل ربهم ، وتقدمهم على كتاب الله بالتحريف والتبديل .
يقول تعالى ذكره له : وكيف يرضى هؤلاء
اليهود ، يا
محمد ، بحكمك ، إذا جاءوا يحكمونك وعندهم التوراة التي يقرون بها أنها كتابي ووحيي إلى رسولي
موسى صلى الله عليه وسلم ، فيها حكمي بالرجم على الزناة المحصنين ، وقضائي بينهم أن من قتل نفسا ظلما فهو بها قود ، ومن فقأ عينا بغير حق فعينه بها مفقوءة قصاصا ، ومن جدع أنفا فأنفه به مجدوع ، ومن قلع سنا فسنه بها مقلوعة ، ومن جرح غيره جرحا فهو مقتص منه مثل الجرح الذي جرحه؟ ثم هم مع الحكم الذي عندهم في التوراة من أحكامي ، يتولون عنه ويتركون العمل به ، يقول : فهم بترك حكمك ، وبسخط قضائك بينهم ، أحرى وأولى .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
12064 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : لما رأت
قريظة النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بالرجم ، وكانوا يخفونه في كتابهم ، نهضت
قريظة فقالوا : يا
محمد ، اقض بيننا وبين إخواننا
[ ص: 360 ] بني النضير وكان بينهم دم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت
النضير يتعززون على
بني قريظة ، ودياتهم على أنصاف ديات
النضير ، وكانت الدية من وسوق التمر : أربعين ومائة وسق
لبني النضير ، وسبعين وسقا
لبني قريظة فقال : دم القرظي وفاء من دم النضيري ! فغضب بنو النضير وقالوا : لا نطيعك في الرجم ، ولكن نأخذ بحدودنا التي كنا عليها ! فنزلت : (
أفحكم الجاهلية يبغون ) [ سورة المائدة : 50 ] ونزل : "
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " ، الآية .
12065 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو صالح قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : "
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص " ، قال : فما بالهم يخالفون ، يقتلون النفسين بالنفس ، ويفقئون العينين بالعين؟
12066 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
خلاد الكوفي قال ، حدثنا
الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك قال : كان بين حيين من
الأنصار قتال ، فكان بينهم قتلى ، وكان لأحد الحيين على الآخر طول ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يجعل الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والمرأة بالمرأة ، فنزلت : (
الحر بالحر والعبد بالعبد ) [ سورة البقرة : 178 ] قال سفيان : وبلغني عن
ابن عباس أنه قال : نسختها : "
النفس بالنفس " .
12067 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " فيها
[ ص: 361 ] في التوراة - "والعين بالعين " حتى : "
والجروح قصاص " ، قال
مجاهد عن
ابن عباس قال : كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى ، ليس بينهم دية في نفس ولا جرح . قال : وذلك قول الله تعالى ذكره : " وكتبنا عليهم فيها " في التوراة ، فخفف الله عن أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، فجعل عليهم الدية في النفس والجراح ، وذلك تخفيف من ربكم ورحمة "
فمن تصدق به فهو كفارة له " .
12068 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص " ، قال : إن بني إسرائيل لم تجعل لهم دية فيما كتب الله
لموسى في التوراة من نفس قتلت ، أو جرح ، أو سن ، أو عين ، أو أنف . إنما هو القصاص ، أو العفو .
12069 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
وكتبنا عليهم فيها " ، أي في التوراة " أن النفس بالنفس" .
12070 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : "
وكتبنا عليهم فيها " ، أي في التوراة ، بأن النفس بالنفس .
12071 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : "
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " حتى بلغ " والجروح قصاص " ، بعضها ببعض .
12072 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "أن النفس بالنفس " ، قال يقول : تقتل النفس بالنفس ، وتفقأ العين بالعين ، ويقطع الأنف بالأنف ، وتنزع السن بالسن ، وتقتص الجراح بالجراح .
[ ص: 362 ] قال
أبو جعفر : فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم ، رجالهم ونساؤهم ، إذا كان في النفس وما دون النفس ، ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم ، إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس .