القول في تأويل قوله عز ذكره (
فمن تصدق به فهو كفارة له )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعني به : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " .
فقال بعضهم : عنى بذلك المجروح وولي القتيل .
ذكر من قال ذلك :
12073 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال ، حدثنا
عبد الرحمن قال ، حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن
الهيثم بن الأسود ، عن
عبد الله بن عمرو : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : يهدم عنه يعني المجروح مثل ذلك من ذنوبه .
12074 - حدثنا
سفيان قال ، حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن
الهيثم بن الأسود ، عن
عبد الله بن عمرو ، بنحوه .
12075 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
محمد بن جعفر قال ، حدثنا
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن
الهيثم بن الأسود أبي العريان قال : رأيت
معاوية قاعدا على السرير ، وإلى جنبه رجل أحمر كأنه مولى وهو
[ ص: 363 ] عبد الله بن عمرو فقال في هذه الآية : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : يهدم عنه من ذنوبه مثل ما تصدق به .
12076 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا
هشيم قال ، أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم في قوله : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : للمجروح .
12077 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا
شعبة ، عن
عمارة بن أبي حفصة ، عن
أبي عقبة ، عن
جابر بن زيد : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : للمجروح .
12078 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال ، حدثني
حرمي بن عمارة قال ، حدثنا
[ ص: 364 ] شعبة قال ، أخبرني
عمارة ، عن رجل ، قال
حرمي : نسيت اسمه ، عن
جابر بن زيد ، بمثله .
12079 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
حماد ، عن
إبراهيم : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : للمجروح .
12080 - حدثنا
زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا
ابن فضيل ، عن
يونس بن أبي إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11865أبي السفر قال : دفع رجل من
قريش رجلا من
الأنصار فاندقت ثنيته ، فرفعه الأنصاري إلى
معاوية . فلما ألح عليه الرجل قال
معاوية : شأنك وصاحبك ! قال :
nindex.php?page=showalam&ids=4وأبو الدرداء عند
معاوية ، فقال
أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810457ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه ، إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة . فقال له الأنصاري : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ! فخلى سبيل القرشي ، فقال
معاوية : مروا له بمال .
12081 - حدثنا
محمود بن خداش قال ، حدثنا
هشيم بن بشير قال ،
[ ص: 365 ] أخبرنا
مغيرة ، عن
الشعبي قال ، قال
ابن الصامت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810458من جرح في جسده جراحة فتصدق بها ، كفر عنه ذنوبه بمثل ما تصدق به .
12082 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
سفيان بن حسين ، عن
الحسن في قوله : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : كفارة للمجروح .
12083 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
زكريا قال : سمعت
عامرا يقول : كفارة لمن تصدق به .
12084 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يقول : لولي القتيل الذي عفا .
12085 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، أخبرني
شبيب بن سعيد ، عن
شعبة بن
الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
الهيثم أبي العريان قال : كنت
بالشأم ، وإذا برجل مع
معاوية قاعد على السرير كأنه مولى ، قال : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : فمن تصدق به هدم الله عنه مثله من ذنوبه فإذا هو
عبد الله بن عمرو .
[ ص: 366 ]
وقال آخرون : عنى بذلك الجارح . وقالوا : معنى الآية : فمن تصدق بما وجب له من قود أو قصاص على من وجب ذلك له عليه ، فعفا عنه ، فعفوه ذلك عن الجاني كفارة لذنب الجاني المجرم ، كما القصاص منه كفارة له . قالوا : فأما أجر العافي المتصدق ، فعلى الله .
ذكر من قال ذلك :
12086 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، عن
سفيان ، عن
عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : كفارة للجارح ، وأجر الذي أصيب على الله .
12087 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال ، حدثنا
يونس ، عن
أبي إسحاق ، قال سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول
لأبي إسحاق : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يا
أبا إسحاق ، [ لمن ] ؟ قال
أبو إسحاق : للمتصدق فقال
مجاهد : للمذنب الجارح .
12088 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا
هشيم قال ، قال
مغيرة ، قال
مجاهد : للجارح .
12089 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
مجاهد ، مثله .
12090 - حدثنا
هناد nindex.php?page=showalam&ids=16010وسفيان بن وكيع قالا : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
إبراهيم ومجاهد : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قالا : للذي تصدق عليه ،
[ ص: 367 ] وأجر الذي أصيب على الله ، قال
هناد في حديثه ، قالا : كفارة للذي تصدق به عليه .
12091 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
عبد بن حميد ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، بنحوه .
12092 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
محمد بن بشر ، عن
زكريا ، عن
عامر قال : كفارة لمن تصدق به عليه .
12093 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد وإبراهيم قالا : كفارة للجارح ، وأجر الذي أصيب على الله .
12094 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
سفيان قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم يقول : إن عفا عنه ، أو اقتص منه ، أو قبل منه الدية ، فهو كفارة له .
12095 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قال : كفارة للجارح ، وأجر للعافي ، لقوله : (
فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) [ سورة الشورى : 40 ] .
12096 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : كفارة للمتصدق عليه .
12097 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
معلى بن أسد قال ، حدثنا
خالد قال ، حدثنا
حصين ، عن
ابن عباس : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : هي كفارة للجارح .
12098 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو نعيم قال ، حدثنا
سفيان ، عن
[ ص: 368 ] عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : فالكفارة للجارح ، وأجر المتصدق على الله .
12099 - حدثنا
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
عبد الله بن كثير ، عن
مجاهد أنه كان يقول : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يقول : للقاتل ، وأجر للعافي .
12100 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
عمران بن ظبيان ، عن
عدي بن ثابت قال ، هتم رجل على عهد
معاوية ، فأعطي دية فلم يقبل ، ثم أعطي ديتين فلم يقبل ، ثم أعطي ثلاثا فلم يقبل . فحدث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810459فمن تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم تصدق إلى يوم ولد " . قال : فتصدق الرجل .
12101 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يقول :
من جرح فتصدق بالذي جرح به على الجارح ،
[ ص: 369 ] فليس على الجارح سبيل ولا قود ولا عقل ، ولا حرج عليه ، من أجل أنه تصدق عليه الذي جرح ، فكان كفارة له من ظلمه الذي ظلم .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : عني به : "
فمن تصدق به فهو كفارة له " المجروح ، فلأن تكون " الهاء " في قوله : " له " عائدة على " من " أولى من أن تكون من ذكر من لم يجر له ذكر إلا بالمعنى دون التصريح وأحرى ، إذ الصدقة هي المكفرة ذنب صاحبها دون المتصدق عليه في سائر الصدقات غير هذه ، فالواجب أن يكون سبيل هذه سبيل غيرها من الصدقات .
فإن ظن ظان أن القصاص إذ كان يكفر ذنب صاحبه المقتص منه الذي أتاه في قتل من قتله ظلما ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ أخذ البيعة على أصحابه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811452أن لا تقتلوا ولا تزنوا ولا تسرقوا " ثم قال : "فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حده فهو كفارته " فالواجب أن يكون عفو العافي المجني عليه ، أو ولي المقتول عنه نظيره ، في أن ذلك له كفارة . فإن ذلك لو وجب أن يكون كذلك ، لوجب أن يكون عفو المقذوف عن قاذفه بالزنا وتركه أخذه بالواجب له من الحد وقد قذفه قاذفه وهو عفيف مسلم محصن كفارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه ، ومعصيته التي أتاها . وذلك ما لا نعلم قائلا من أهل العلم يقوله .
فإذ كان غير جائز أن يكون ترك المقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفه
[ ص: 370 ] بالواجب له من الحد كفارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه ، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك المجروح أخذ الجارح بحقه من القصاص ، كفارة للجارح من ذنبه الذي ركبه .
فإن قال قائل : أو ليس للمجروح عندك أخذ جارحه بدية جرحه مكان القصاص؟
قيل له : بلى!
فإن قال : أفرأيت لو اختار الدية ثم عفا عنها ، أكانت له قبله في الآخرة تبعة ؟
قيل له : هذا كلام عندنا محال . وذلك أنه لا يكون عندنا مختارا لدية إلا وهو لها آخذ . فأما العفو فإنما هو عفو عن الدم ، وقد دللنا على صحة ذلك في موضع غير هذا ، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع إلا أن يكون مرادا بذلك هبتها لمن أخذت منه بعد الأخذ . مع أن عفوه عن الدية بعد اختياره إياها لو صح ، لم يكن في صحة ذلك ما يوجب أن يكون المعفو له عنها بريئا من عقوبة ذنبه عند الله ; لأن الله تعالى ذكره أوعد قاتل المؤمن بما أوعده به إن لم يتب من ذنبه ، والدية مأخوذة منه ، أحب أم سخط . والتوبة من التائب إنما تكون توبة إذا اختارها وأرادها وآثرها على الإصرار .
فإن ظن ظان أن ذلك وإن كان كذلك ، فقد يجب أن يكون له كفارة ، كما كان القصاص له كفارة ، فإنا إنما جعلنا القصاص له كفارة مع ندمه وبذله نفسه لأخذ الحق منها تنصلا من ذنبه ، بخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 371 ] فأما الدية إذا اختارها المجروح ثم عفا عنها ، فلم يقض عليه بحد ذنبه ، فيكون ممن دخل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811453فمن أقيم عليه الحد فهو كفارته " . ثم مما يؤكد صحة ما قلنا في ذلك ، الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810459فمن تصدق بدم " ، وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد ذكرناها قبل .
وقد يجوز أن يكون القائلون إنه عنى بذلك الجارح ، أرادوا المعنى الذي ذكر عن
عروة بن الزبير الذي : -
12102 - حدثني به
الحارث بن محمد قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074القاسم بن سلام قال ، حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، أخبرني
عبد الله بن كثير ، عن
مجاهد قال : إذا أصاب رجل رجلا ولا يعلم المصاب من أصابه ، فاعترف له المصيب ، فهو كفارة للمصيب . قال : وكان
مجاهد يقول عند هذا : أصاب
عروة بن الزبير عين إنسان عند الركن فيما يستلمون ، فقال له : يا هذا ، أنا
عروة بن الزبير ، فإن كان بعينك بأس فأنا بها !
وإذا كان الأمر من الجارح على نحو ما كان من
عروة من خطأ فعل على غير عمد ، ثم اعترف للذي أصابه بما أصابه ، فعفا له المصاب بذلك عن حقه قبله ، فلا تبعة له حينئذ قبل المصيب في الدنيا ولا في الآخرة . لأن الذي كان وجب له قبله مال لا قصاص ، وقد أبرأه منه : فإبراؤه منه ، كفارة للمبرأ من حقه
[ ص: 372 ] الذي كان له أخذه به ، فلا طلبة له بسبب ذلك قبله في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا عقوبة تلزمه بها بما كان منه إلى من أصابه ، لأنه لم يتعمد إصابته بما أصابه به ، فيكون بفعله آثما يستحق به العقوبة من ربه ، لأن الله عز وجل قد وضع الجناح عن عباده فيما أخطأوا فيه ولم يتعمدوه من أفعالهم ، فقال في كتابه : (
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) . [ سورة الأحزاب : 5 ]
و"التصدق " في هذا الموضع بالدم العفو عنه .