القول في تأويل قوله عز ذكره (
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لكل قوم منكم جعلنا شرعة .
[ ص: 384 ] و"الشرعة " هي "الشريعة " بعينها ، تجمع "الشرعة " "شرعا " ، "والشريعة " "شرائع" . ولو جمعت "الشرعة " "شرائع " ، كان صوابا ، لأن معناها ومعنى "الشريعة " واحد ، فيردها عند الجمع إلى لفظ نظيرها . وكل ما شرعت فيه من شيء فهو "شريعة" . ومن ذلك قيل : لشريعة الماء "شريعة " ، لأنه يشرع منها إلى الماء . ومنه سميت شرائع الإسلام"شرائع " ، لشروع أهله فيه . ومنه قيل للقوم إذا تساووا في الشيء : "هم شرع " ، سواء .
وأما"المنهاج " ، فإن أصله : الطريق البين الواضح ، يقال منه : "هو طريق نهج ، ومنهج " ، بين ، كما قال الراجز :
من يك في شك فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج
ثم يستعمل في كل شيء كان بينا واضحا سهلا .
فمعنى الكلام : لكل قوم منكم جعلنا طريقا إلى الحق يؤمه ، وسبيلا واضحا يعمل به .
[ ص: 385 ] ثم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " لكل جعلنا منكم" .
فقال بعضهم : عنى بذلك أهل الملل المختلفة ، أي : أن الله جعل لكل ملة شريعة ومنهاجا .
ذكر من قال ذلك :
12126 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " يقول : سبيلا وسنة . والسنن مختلفة : للتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما يشاء بلاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره : التوحيد والإخلاص لله ، الذي جاءت به الرسل .
12127 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة قوله : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، قال : الدين واحد ، والشريعة مختلفة .
12128 - حدثنا
المثنى قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
عبد الله بن هاشم قال أخبرنا
سيف بن عمر ، عن
أبي روق ، عن
أبي أيوب ، عن
علي قال :
الإيمان منذ بعث الله تعالى ذكره آدم صلى الله عليه وسلم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، لكل قوم ما جاءهم من شرعة أو منهاج ، فلا يكون المقر تاركا ، ولكنه مطيع .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أمة
محمد صلى الله عليه وسلم . وقالوا : إنما معنى الكلام : قد جعلنا الكتاب الذي أنزلناه إلى نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم ،
[ ص: 386 ] أيها الناس ، لكلكم ، أي لكل من دخل في الإسلام وأقر
بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لي نبي " شرعة ومنهاجا " .
ذكر من قال ذلك :
12129 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال : سنة ، "ومنهاجا " ، السبيل "لكلكم " ، من دخل في دين
محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد جعل الله له شرعة ومنهاجا . يقول : القرآن ، هو له شرعة ومنهاج .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معناه : لكل أهل ملة منكم ، أيها الأمم جعلنا شرعة ومنهاجا .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لقوله : (
ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) ولو كان عنى بقوله : " لكل جعلنا منكم " ، أمة
محمد ، وهم أمة واحدة ، لم يكن لقوله : "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " ، وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة معنى مفهوم . ولكن معنى ذلك على ما جرى به الخطاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنه ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التوراة ، وتقدم إليهم بالعمل بما فيها ، ثم ذكر أنه قفى
بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله ، وأنزل عليه الإنجيل ، وأمر من بعثه إليه بالعمل بما فيه . ثم ذكر نبينا
محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأخبره أنه أنزل إليه الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ، وأمره بالعمل بما فيه ، والحكم بما أنزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره ، وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعة غير شرائع الأنبياء والأمم قبله الذين قص عليهم قصصهم ، وإن كان دينه ودينهم - في توحيد الله ، والإقرار بما جاءهم به من عنده ، والانتهاء إلى أمره ونهيه - واحدا ، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكم واحد منهم ولأمته فيما أحل لهم وحرم عليهم .
[ ص: 387 ] وبنحو الذي قلنا في"الشرعة " و"المنهاج " من التأويل ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
12130 - حدثنا
ابن بشار قال ، حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا
مسعر ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي ، عن
ابن عباس : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال : سنة وسبيلا .
12131 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان وإسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي ، عن
ابن عباس : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، قال : سنة وسبيلا .
12132 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
سفيان وإسرائيل وأبيه ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي ، عن
ابن عباس ، مثله .
12133 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
أبو يحيى الرازي ، عن
أبي سنان ، عن
أبي إسحاق ، عن
يحيى بن وثاب قال : سألت
ابن عباس عن قوله : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، قال : سنة وسبيلا .
12134 - حدثنا
أبو كريب قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال ، حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي ، عن
ابن عباس : "
شرعة ومنهاجا " ، قال : سنة وسبيلا .
12135 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
حكام ، عن
عمرو ، عن
مطرف عن
أبي إسحاق ، عن رجل من
بني تميم ، عن
ابن عباس ، بمثله .
[ ص: 388 ] 12136 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
أبي إسحاق ، عن
التميمي ، عن
ابن عباس ، مثله .
12137 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " يعني : سبيلا وسنة .
12138 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
سفيان بن حسين قال : سمعت
الحسن يقول : "الشرعة " ، السنة .
12139 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، عن
إسرائيل ، عن
أبي يحيى القتات ، عن
مجاهد قال : سنة وسبيلا .
12140 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "شرعة ومنهاجا " ، قال : "الشرعة " ، السنة " ومنهاجا " ، قال : السبيل .
12141 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، بنحوه .
12142 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، يقول : سبيلا وسنة .
12143 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14181الحوضي قال ، حدثنا
شعبة قال ، حدثنا
أبو إسحاق قال : سمعت رجلا من
بني تميم ، عن
ابن عباس ، بنحوه .
12144 - حدثني
محمد بن الحسين قال حدثنا
أحمد بن المفضل قال ،
[ ص: 389 ] حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "شرعة ومنهاجا " ، يقول : سبيلا وسنة .
12145 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : السنة والسبيل .
12146 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، يقول : سبيلا وسنة .
12147 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال ، سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، أخبرني
عبيد بن سليمان قال ، سمعت
الضحاك يقول في قوله : "شرعة ومنهاجا " ، قال : سبيلا وسنة .