القول في تأويل قوله (
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( 83 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا : "إنا نصارى " الذين وصفت لك ، يا
محمد ، صفتهم أنك تجدهم
أقرب الناس مودة للذين آمنوا ما أنزل إليك من الكتاب يتلى"ترى أعينهم تفيض من الدمع" .
[ ص: 507 ] و"فيض العين من الدمع " ، امتلاؤها منه ، ثم سيلانه منها ، كفيض النهر من الماء ، وفيض الإناء ، وذلك سيلانه عن شدة امتلائه ، ومنه قول
الأعشى :
ففاضت دموعي ، فظل الشئون : إما وكيفا ، وإما انحدارا
وقوله : "مما عرفوا من الحق " ، يقول : فيض دموعهم ، لمعرفتهم بأن الذي يتلى عليهم من كتاب الله الذي أنزله إلى رسول الله حق ، كما : -
12325 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال ، حدثنا
أسباط بن نصر الهمداني ، عن
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال : بعث
النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلا يسألونه ويأتونه بخبره ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فبكوا . وكان منهم سبعة رهبان وخمسة
[ ص: 508 ] قسيسين أو : خمسة رهبان ، وسبعة قسيسين فأنزل الله فيهم : "
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " ، إلى آخر الآية .
12326 - حدثنا
عمرو بن علي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16681عمر بن علي بن مقدم قال ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة يحدث ، عن أبيه ، عن
عبد الله بن الزبير قال : نزلت في
النجاشي وأصحابه : "
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " .
12327 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة بن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه في قوله : "
ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق " ، قال : ذلك في
النجاشي .
12328 - حدثنا
هناد nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع قالا : حدثنا أبو
معاوية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كانوا يرون أن هذه الآية أنزلت في
النجاشي : "
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " .
12329 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال ، قال
ابن إسحاق : سألت
الزهري عن الآيات : "
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " الآية ، وقوله : (
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) [ سورة الفرقان : 63 ] . قال : ما زلت أسمع علماءنا يقولون : نزلت في
النجاشي وأصحابه .
[ ص: 509 ]
وأما قوله : "يقولون " ، فإنه لو كان بلفظ اسم ، كان نصبا على الحال ، لأن معنى الكلام : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ، قائلين : "ربنا آمنا" .
ويعني بقوله تعالى ذكره : "يقولون ربنا آمنا " ، أنهم يقولون : يا ربنا ، صدقنا لما سمعنا ما أنزلته إلى نبيك
محمد صلى الله عليه وسلم من كتابك ، وأقررنا به أنه من عندك ، وأنه الحق لا شك فيه .
وأما قوله : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، فإنه روي عن
ابن عباس وغيره في تأويله ، ما : -
12330 - حدثنا به
هناد قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وحدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي
وابن نمير جميعا ، عن
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : " اكتبنا مع
الشاهدين " ، قال : أمة
محمد صلى الله عليه وسلم .
12331 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، مع أمة
محمد صلى الله عليه وسلم .
12332 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، يعنون ب"الشاهدين " ،
محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته .
12333 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : "
فاكتبنا مع الشاهدين " ، قال :
محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، إنهم شهدوا أنه قد بلغ ، وشهدوا أن الرسل قد بلغت .
[ ص: 510 ] 12334 - حدثنا
الربيع قال ، حدثنا
أسد بن موسى قال ، حدثنا
يحيى بن زكريا قال ، حدثني
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، مثل حديث
الحارث بن عبد العزيز غير أنه قال : وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا .
قال
أبو جعفر : فكأن متأول هذا التأويل ، قصد بتأويله هذا إلى معنى قول الله تعالى ذكره : (
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ سورة البقرة : 143 ] . فذهب
ابن عباس إلى أن "الشاهدين " ، هم"الشهداء " في قوله : "
لتكونوا شهداء على الناس " ، وهم أمة
محمد صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان التأويل ذلك ، كان معنى الكلام : "
يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، الذين يشهدون لأنبيائك يوم القيامة ، أنهم قد بلغوا أممهم رسالاتك .
ولو قال قائل : معنى ذلك : " فاكتبنا مع الشاهدين " ، الذين يشهدون أن ما أنزلته إلى رسولك من الكتب حق كان صوابا . لأن ذلك خاتمة قوله : "
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، وذلك صفة من الله تعالى ذكره لهم بإيمانهم لما سمعوا من كتاب الله ، فتكون مسألتهم أيضا الله أن يجعلهم ممن صحت عنده
[ ص: 511 ] شهادتهم بذلك ، ويلحقهم في الثواب والجزاء منازلهم .
ومعنى"الكتاب ، " في هذا الموضع : الجعل .
يقول : فاجعلنا مع الشاهدين ، وأثبتنا معهم في عدادهم .