[ ص: 576 ] القول في تأويل قوله (
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ( 93 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للقوم الذين قالوا إذ أنزل الله تحريم الخمر بقوله : "
إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " : كيف بمن هلك من إخواننا وهم يشربونها؟ وبنا وقد كنا نشربها؟ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم حرج فيما شربوا من ذلك ، في الحال التي لم يكن الله تعالى حرمه عليهم "
إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ، يقول : إذا ما اتقى الله الأحياء منهم فخافوه ، وراقبوه في اجتنابهم ما حرم عليهم منه ، وصدقوا الله ورسوله فيما أمراهم ونهياهم ، فأطاعوهما في ذلك كله "
وعملوا الصالحات ، يقول : واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه الله في ذلك مما كلفهم بذلك ربهم "
ثم اتقوا وآمنوا " ، يقول : ثم خافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارمه بعد ذلك التكليف أيضا ، فثبتوا على اتقاء الله في ذلك والإيمان به ، ولم يغيروا ولم يبدلوا"ثم
اتقوا وأحسنوا " ، يقول : ثم خافوا الله ، فدعاهم خوفهم الله إلى الإحسان ، وذلك "الإحسان " ، هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال ، ولكنه نوافل تقربوا بها إلى ربهم طلب رضاه ، وهربا من عقابه "والله يحب المحسنين " ، يقول : والله يحب المتقربين إليه بنوافل الأعمال التي يرضاها .
[ ص: 577 ] فالاتقاء الأول : هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق ، والدينونة به والعمل ، والاتقاء الثاني : الاتقاء بالثبات على التصديق ، وترك التبديل والتغيير ، والاتقاء الثالث : هو الاتقاء بالإحسان ، والتقرب بنوافل الأعمال .
فإن قال قائل : ما الدليل على أن "الاتقاء " الثالث ، هو الاتقاء بالنوافل ، دون أن يكون ذلك بالفرائض؟
قيل : إنه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر التي شربوها قبل تحريمه إياها ، إذا هم اتقوا الله في شربها بعد تحريمها ، وصدقوا الله ورسوله في تحريمها ، وعملوا الصالحات من الفرائض . ولا وجه لتكرير ذلك وقد مضى ذكره في آية واحدة .
وبنحو الذي قلنا من أن هذه الآية نزلت فيما ذكرنا أنها نزلت فيه ، جاءت الأخبار عن الصحابة والتابعين .
ذكر من قال ذلك :
12525 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وحدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=810466عن ابن عباس قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : يا رسول الله ، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح " ، الآية .
[ ص: 578 ] 12526 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
عبد الله ، عن
إسرائيل بإسناده ، نحوه .
12527 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال ، حدثني
عبد الكبير بن عبد المجيد قال ، أخبرنا
عباد بن راشد ، عن
قتادة ، عن
أنس بن مالك قال : بينا أنا أدير الكأس على
أبي طلحة ، nindex.php?page=showalam&ids=5وأبي عبيدة بن الجراح ، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل ، nindex.php?page=showalam&ids=355وسهيل بن بيضاء ، nindex.php?page=showalam&ids=262وأبي دجانة ، حتى مالت رءوسهم من خليط بسر وتمر . فسمعنا مناديا ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ! قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج ، حتى أهرقنا الشراب ، وكسرنا القلال ، وتوضأ بعضنا ، واغتسل بعضنا ، فأصبنا من طيب
أم سليم ، ثم خرجنا إلى المسجد ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810467وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ، إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " . فقال رجل : يا رسول الله ، فما منزلة من مات منا وهو يشربها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " الآية ، فقال رجل
لقتادة : سمعته من
أنس بن مالك ؟ قال : نعم ! قال رجل
nindex.php?page=showalam&ids=9لأنس بن مالك : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ! وحدثني من لم يكذب ، والله ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب !
[ ص: 579 ] 12528 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
البراء قال : لما حرمت الخمر قالوا : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، الآية .
12529 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
محمد بن جعفر قال ، حدثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق قال ، قال
البراء : مات ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر ، فلما نزل تحريمها ، قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، الآية .
12530 - حدثنا
هناد قال ، حدثنا
ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا
داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، قال : نزلت : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما ، فيمن قتل ببدر وأحد مع
محمد صلى الله عليه وسلم .
12531 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
خالد بن مخلد قال ، حدثنا
علي بن مسهر ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة ، عن
عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810468لما نزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قيل لي : أنت منهم .
12532 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
جامع بن حماد قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، إلى قوله : "
والله يحب المحسنين لما أنزل الله تعالى ذكره تحريم الخمر في"سورة المائدة " ، بعد "سورة الأحزاب " ، قال في ذلك
[ ص: 581 ] رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصيب فلان يوم بدر ، وفلان يوم أحد ، وهم يشربونها ! فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة ! فأنزل الله تعالى ذكره : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " ، يقول : شربها القوم على تقوى من الله وإحسان ، وهي لهم يومئذ حلال ، ثم حرمت بعدهم ، فلا جناح عليهم في ذلك .
12533 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، قالوا : يا رسول الله ، ما نقول لإخواننا الذين مضوا؟ كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر ! فأنزل الله : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني قبل التحريم ، إذا كانوا محسنين متقين ، وقال مرة أخرى : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " من الحرام قبل أن يحرم عليهم ، إذا ما اتقوا وأحسنوا ، بعد ما حرم ، وهو قوله : (
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ) ، [ سورة البقرة : 275 ] .
12534 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني بذلك رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرم الخمر ، فلم يكن عليهم فيها جناح قبل أن تحرم . فلما حرمت قالوا : كيف تكون علينا حراما ، وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا [ ص: 582 ] " ، يقول : ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرمها ، إذا كانوا محسنين متقين " والله يحب المحسنين" .
12535 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله تعالى : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، لمن كان يشرب الخمر ممن قتل مع
محمد صلى الله عليه وسلم
ببدر وأحد .
12536 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال ، سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك قوله : "
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح " ، الآية ، هذا في شأن الخمر حين حرمت ، سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية .