القول في
تأويل قوله تعالى ( أو عدل ذلك صياما )
قال
أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : أو على قاتل الصيد محرما ، عدل الصيد المقتول من الصيام . وذلك أن يقوم الصيد حيا غير مقتول قيمته من الطعام بالموضع الذي قتله فيه المحرم ، ثم يصوم مكان كل مد يوما . وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل المد من الطعام بصوم يوم في كفارة المواقع في شهر رمضان .
فإن قال قائل : فهلا جعلت مكان كل صاع في جزاء الصيد ، صوم يوم ، قياسا على حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في نظيره ، وذلك حكمه على
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة إذ أمره أن يطعم إن كفر بالإطعام فرقا من طعام ، وذلك ثلاثة آصع بين ستة مساكين إن كفر بالصيام أن يصوم ثلاثة أيام ، فجعل الأيام
[ ص: 43 ] الثلاثة في الصوم عدلا من إطعام ثلاثة آصع ، فإن ذلك بالكفارة في جزاء الصيد ، أشبه من الكفارة في قتل الصيد بكفارة المواقع امرأته في شهر رمضان؟ . قيل : إن " القياس " إنما هو رد الفروع المختلف فيها ، إلى نظائرها من الأصول المجمع عليها . ولا خلاف بين الجميع من الحجة أنه لا يجزئ مكفرا كفر في قتل الصيد بالصوم ، أن يعدل صوم يوم بصاع طعام . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان غير جائز خلافها فيما حدثت به من الدين مجمعة عليه ، صح بذلك أن حكم معادلة الصوم الطعام في قتل الصيد ، مخالف حكم معادلته إياه في كفارة الحلق ، إذ كان غير جائز رد أصل على أصل قياسا . وإنما يجوز أن يقاس الفرع على الأصل . وسواء قال قائل : " هلا رددت حكم الصوم في كفارة قتل الصيد ، على حكمه في حلق الأذى فيما يعدل به من الطعام " ؟ وآخر قال : " هلا رددت حكم الصوم في الحلق ، على حكمه في كفارة قتل الصيد فيما يعدل به من الطعام ، فتوجب عليه مكان كل مد أو مكان كل نصف صاع صوم يوم " ؟
وقد بينا فيما مضى قبل أن " العدل " في كلام العرب بالفتح ، هو قدر الشيء من غير جنسه وأن " العدل " هو قدره من جنسه .
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : " العدل " مصدر من قول القائل : " عدلت بهذا عدلا حسنا " . قال : " والعدل " أيضا بالفتح ،
[ ص: 44 ] المثل . ولكنهم فرقوا بين " العدل " في هذا وبين " عدل المتاع " بأن كسروا " العين " من " عدل المتاع " وفتحوها من قول الله تعالى :
ولا يقبل منها عدل [ سورة البقرة : 123 ] ، وقول الله عز وجل : " أو عدل ذلك صياما " كما قالوا : " امرأة رزان " وحجر رزين " .
وقال بعضهم : " العدل " هو القسط في الحق ، و " العدل " بالكسر ، المثل . وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى . .
وأما نصب " الصيام " فإنه على التفسير ، كما يقال : " عندي ملء زق سمنا " و " قدر رطل عسلا " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
[ ص: 45 ]
12630 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
أبو عاصم قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قلت
لعطاء : ما "
عدل ذلك صياما " ؟ قال : عدل الطعام من الصيام . قال : لكل مد يوما ، يأخذ زعم بصيام رمضان وبالظهار . وزعم أن ذلك رأي يراه ، ولم يسمعه من أحد ، ولم تمض به سنة . قال : ثم عاودته بعد ذلك بحين ، قلت : ما " عدل ذلك صياما " ؟ قال : إن أصاب ما عدله شاة ، قومت طعاما ، ثم صام مكان كل مد يوما . قال : ولم أسأله : هذا رأي أو سنة مسنونة ؟
12631 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
أبو بشر ، عن
سعيد بن جبير في قوله عز وجل : "
أو عدل ذلك صياما " قال : بصوم ثلاثة أيام إلى عشرة أيام .
12632 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
حماد : (
أو عدل ذلك صياما ) ، من الجزاء ، إذا لم يجد ما يشتري به هديا ، أو ما يتصدق به مما لا يبلغ ثمن هدي ، حكم عليه الصيام مكان كل نصف صاع يوما .
12633 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : "
أو عدل ذلك صياما " قال : إذ قتل المحرم شيئا من الصيد ، حكم عليه فيه . فإن قتل ظبيا أو نحوه ، فعليه شاة تذبح
بمكة . فإن لم يجدها ، فإطعام ستة مساكين . فإن لم يجد
[ ص: 46 ] فصيام ثلاثة أيام . وإن قتل أيلا أو نحوه ، فعليه بقرة . فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا ، فإن لم يجد ، صام عشرين يوما . وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه ، فعليه بدنة من الإبل . فإن لم يجد ، أطعم ثلاثين مسكينا . فإن لم يجد ، صام ثلاثين يوما . والطعام : مد مد ، شبعهم .
12634 - حدثنا
ابن البرقي قال : حدثنا
عمرو بن أبي سلمة ، عن
سعيد ، وسألته المحرم يصيب الصيد فيكون عليه الفدية ، شاة ، أو البقرة أو البدنة . فلا يجد ، فما عدل ذلك من الصيام أو الصدقة؟ قال : ثمن ذلك ، فإن لم يجد ثمنه ، قوم ثمنه طعاما يتصدق به لكل مسكين مد ، ثم يصوم بكل مد يوما .