القول في تأويل قوله تعالى (
وإذ نجيناكم من آل فرعون )
أما
تأويل قوله : ( وإذ نجيناكم ) فإنه عطف على قوله : (
يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي ) . فكأنه قال : اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، واذكروا
[ ص: 37 ] إنعامنا عليكم - إذ نجيناكم من آل فرعون - بإنجائناكم منهم .
وأما آل
فرعون فإنهم أهل دينه وقومه وأشياعه .
وأصل " آل " أهل ، أبدلت الهاء همزة ، كما قالوا " ماء " فأبدلوا الهاء همزة ، فإذا صغروه قالوا : " مويه " ، فردوا الهاء في التصغير وأخرجوه على أصله . وكذلك إذا صغروا آل ، قالوا : " أهيل " . وقد حكي سماعا من العرب في تصغير " آل " : " أويل " . وقد يقال : " فلان من آل النساء " يراد به أنه منهن خلق ، ويقال ذلك أيضا بمعنى أنه يريدهن ويهواهن ، كما قال الشاعر :
فإنك من آل النساء وإنما يكن لأدنى ; لا وصال لغائب
وأحسن أماكن " آل " أن ينطق به مع الأسماء المشهورة ، مثل قولهم : آل النبي
محمد صلى الله عليه وسلم ، وآل
علي ، وآل
عباس ، وآل
عقيل . وغير مستحسن استعماله مع المجهول ، وفي أسماء الأرضين وما أشبه ذلك ; غير حسن عند أهل العلم بلسان العرب أن يقال : رأيت آل الرجل ، ورآني آل المرأة - ولا - : رأيت آل البصرة ، وآل الكوفة . وقد ذكر عن بعض العرب سماعا أنها تقول : " رأيت
آل مكة وآل المدينة " . وليس ذلك في كلامهم بالفاشي المستعمل .
[ ص: 38 ] وأما "
فرعون " فإنه يقال : إنه اسم كانت ملوك العمالقة
بمصر تسمى به ، كما كانت ملوك
الروم يسمى بعضهم " قيصر " وبعضهم " هرقل " ، وكما كانت ملوك
فارس تسمى " الأكاسرة " واحدهم " كسرى " ، وملوك
اليمن تسمى " التبابعة " ، واحدهم " تبع " .
وأما "
فرعون موسى " الذي أخبر الله تعالى عن بني إسرائيل أنه نجاهم منه فإنه يقال : إن اسمه "
الوليد بن مصعب بن الريان " ، وكذلك ذكر
محمد بن إسحاق أنه بلغه عن اسمه .
888 - حدثنا بذلك
محمد بن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق : أن اسمه
الوليد بن مصعب بن الريان .
وإنما جاز أن يقال : (
وإذ نجيناكم من آل فرعون ) ، والخطاب به لمن لم يدرك
فرعون ولا المنجين منه ، لأن المخاطبين بذلك كانوا أبناء من نجاهم من
فرعون وقومه ، فأضاف ما كان من نعمه على آبائهم إليهم ، وكذلك ما كان من كفران آبائهم على وجه الإضافة ، كما يقول القائل لآخر : " فعلنا بكم كذا ، وفعلنا بكم كذا ، وقتلناكم وسبيناكم " ، والمخبر إما أن يكون يعني قومه وعشيرته بذلك ، أو أهل بلده ووطنه - كان المقول له ذلك أدرك ما فعل بهم من ذلك أو لم يدركه ، كما قال
الأخطل يهاجي
nindex.php?page=showalam&ids=15626جرير بن عطية :
ولقد سما لكم الهذيل فنالكم بإراب ، حيث يقسم الأنفالا
[ ص: 39 ] في فيلق يدعو الأراقم ، لم تكن فرسانه عزلا ولا أكفالا
ولم يلحق
جرير هذيلا ولا أدركه ، ولا أدرك إراب ولا شهده . ولكنه لما كان يوما من أيام قوم
الأخطل على قوم
جرير ، أضاف الخطاب إليه وإلى قومه . فكذلك خطاب الله عز وجل من خاطبه بقوله : (
وإذ نجيناكم من آل فرعون ) لما كان فعله ما فعل من ذلك بقوم من خاطبه بالآية وآبائهم ، أضاف فعله ذلك الذي فعله بآبائهم إلى المخاطبين بالآية وقومهم .