القول في
تأويل قوله ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لعباده : احذروا يوم يجمع الله الرسل فيقول لهم : ماذا أجابتكم أممكم في الدنيا "
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس " .
ف " إذ " من صلة " أجبتم " كأن معناها : ماذا أجابت
عيسى الأمم التي أرسل إليها
عيسى .
[ ص: 213 ]
فإن قال قائل : وكيف سئلت الرسل عن إجابة الأمم إياها في عهد
عيسى ، ولم يكن في عهد
عيسى من الرسل إلا أقل ذلك؟
قيل : جائز أن يكون الله - تعالى ذكره - عنى بقوله : "
فيقول ماذا أجبتم " الرسل الذين كانوا أرسلوا في عهد
عيسى ، فخرج الخبر مخرج الجميع ، والمراد منهم من كان في عهد
عيسى ، كما قال - تعالى ذكره - :
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم [ سورة آل عمران : 173 ] ، والمراد واحد من الناس ، وإن كان مخرج الكلام على جميع الناس .
قال
أبو جعفر : ومعنى الكلام : " إذ قال الله " حين قال "
يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس " يقول : يا
عيسى اذكر أيادي عندك وعند والدتك ، إذ قويتك بروح القدس وأعنتك به .
وقد اختلف أهل العربية في " أيدتك " ما هو من الفعل .
فقال بعضهم : هو " فعلتك " " من الأيد " كما قولك : " قويتك " " فعلت " من " القوة " .
وقال آخرون : بل هو " فاعلتك " من " الأيد " .
[ ص: 214 ]
وروي عن
مجاهد أنه قرأ : ( إذ آيدتك ) ، بمعنى " أفعلتك " من القوة والأيد . .
وقوله : " بروح القدس " يعني :
بجبريل . يقول : إذ أعنتك
بجبريل .
وقد بينت معنى ذلك ، وما معنى " القدس " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .