القول في تأويل قوله (
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( 23 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم : "
أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون " إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك إذ فتناهم فاختبرناهم ،
[ ص: 298 ] "
إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " كذبا منهم في أيمانهم على قيلهم ذلك .
ثم اختلف القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته جماعة من قرأة
المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : " ثم لم تكن فتنتهم " بالتاء بالنصب . بمعنى : لم يكن اختبارناهم لهم إلا قيلهم "
والله ربنا ما كنا مشركين " غير أنهم يقرءون " تكن " بالتاء على التأنيث . وإن كانت للقول لا للفتنة ؛ لمجاورته الفتنة ، وهي خبر . وذلك عند أهل العربية شاذ غير فصيح في الكلام . وقد روي بيت
للبيد بنحو ذلك ، وهو قوله :
فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذا هي عردت إقدامها
فقال : " وكانت " بتأنيث " الإقدام " لمجاورته قوله : " عادة " .
وقرأ ذلك جماعة من
قراء الكوفيين : " ثم لم يكن " بالياء " فتنتهم " بالنصب ( إلا أن قالوا ) بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم غير أنهم ذكروا " يكون " لتذكير " أن " .
قال
أبو جعفر : وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب ؛ لأن " أن " أثبت في المعرفة من " الفتنة " .
[ ص: 299 ]
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ثم لم تكن فتنتهم " .
فقال بعضهم : معناه : ثم لم يكن قولهم .
ذكر من قال ذلك :
13134 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر قال : قال
قتادة في قوله : "
ثم لم تكن فتنتهم " قال : مقالتهم . قال
معمر : وسمعت غير
قتادة يقول : معذرتهم .
13135 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس قوله : "
ثم لم تكن فتنتهم " قال : قولهم .
13136 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبى ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا " الآية ، فهو كلامهم "
قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " .
13137 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد يقول : حدثنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك : "
ثم لم تكن فتنتهم " يعني : كلامهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : معذرتهم .
ذكر من قال ذلك :
13138 - حدثنا
ابن بشار وابن المثنى قالا : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة ، عن
قتادة : "
ثم لم تكن فتنتهم " قال : معذرتهم .
13139 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " يقول : اعتذارهم بالباطل والكذب .
[ ص: 300 ]
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : معناه : ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم ، اعتذارا مما سلف منهم من الشرك بالله "
إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " فوضعت " الفتنة " موضع " القول " لمعرفة السامعين معنى الكلام . وإنما " الفتنة " الاختبار والابتلاء ولكن لما كان الجواب من القوم غير واقع هنالك إلا عند الاختبار وضعت " الفتنة " التي هي الاختبار موضع الخبر عن جوابهم ومعذرتهم .
واختلفت القرأة أيضا في قراءة قوله : " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " .
فقرأ ذلك عامة قرأة
المدينة وبعض الكوفيين والبصريين : " والله ربنا " خفضا على أن " الرب " نعت لله .
وقرأ ذلك جماعة من التابعين : " والله ربنا " بالنصب بمعنى : والله يا ربنا . وهي قراءة عامة قرأة أهل
الكوفة .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك قراءة من قرأ : " والله ربنا " بنصب " الرب " بمعنى : يا ربنا ؛ وذلك أن هذا جواب من المسئولين المقول لهم : "
أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون " ؟ وكان من جواب القوم لربهم : والله يا ربنا ما كنا مشركين فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك في الدنيا . يقول الله - تعالى ذكره -
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - :
انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون .
[ ص: 301 ]
ويعني بقوله : " ما كنا مشركين " ما كنا ندعو لك شريكا ، ولا ندعو سواك .