القول في تأويل قوله (
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها )
قال
أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : "
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله " قد هلك ووكس ، في بيعهم الإيمان بالكفر " الذين كذبوا بلقاء الله " يعني : الذين أنكروا البعث بعد الممات ، والثواب والعقاب ، والجنة والنار ، من مشركي
قريش ومن سلك سبيلهم في ذلك "
حتى إذا جاءتهم الساعة " يقول : حتى إذا جاءتهم الساعة التي يبعث الله فيها الموتى من قبورهم .
وإنما أدخلت " الألف واللام " في " الساعة " لأنها معروفة المعنى عند المخاطبين بها ، وأنها مقصود بها قصد الساعة التي وصفت .
[ ص: 325 ]
ويعني بقوله : " بغتة " فجأة ، من غير علم من تفجؤه بوقت مفاجأتها إياه .
يقال منه : " بغته أبغته بغتة " إذا أخذته كذلك :
"
قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " يقول - تعالى ذكره - : وكس الذين كذبوا بلقاء الله ببيعهم منازلهم من الجنة بمنازل من اشتروا منازله من أهل الجنة من النار ، فإذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا إذا عاينوا ما باعوا وما اشتروا ، وتبينوا خسارة صفقة بيعهم التي سلفت منهم في الدنيا ، تندما وتلهفا على عظيم الغبن الذي غبنوه أنفسهم ، وجليل الخسران الذي لا خسران أجل منه "
يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " يقول : يا ندامتنا على ما ضيعنا فيها ، يعني : صفقتهم تلك .
و " الهاء والألف " في قوله : " فيها " من ذكر " الصفقة " ولكن اكتفى بدلالة قوله : " قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله " عليها من ذكرها ، إذ كان معلوما أن " الخسران " لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت .
وإنما معنى الكلام : قد وكس الذين كذبوا بلقاء الله ، ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به من الله رضوانه وجنته ، بالكفر الذي يستوجبون به منه سخطه وعقوبته ، ولا يشعرون ما عليهم من الخسران في ذلك ، حتى تقوم الساعة ، فإذا جاءتهم الساعة بغتة فرأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم ، قالوا حينئذ ، تندما : "
يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 326 ]
13185 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : "
يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " أما " يا حسرتنا " فندامتنا "
على ما فرطنا فيها " فضيعنا من عمل الجنة .
13186 - حدثنا
محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا
يزيد بن مهران قال : حدثنا
أبو بكر بن عياش ، عن
الأعمش ، عن
أبي صالح ، عن
أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله
: " يا حسرتنا " قال : " يرى أهل النار منازلهم من الجنة فيقولون : يا حسرتنا " .