القول في تأويل قوله (
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ( 40 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل العربية في معنى قوله : " أرأيتكم " .
فقال بعض نحويي
البصرة : " الكاف " التي بعد " التاء " من قوله : " أرأيتكم " إنما جاءت للمخاطبة ، وتركت " التاء " مفتوحة كما كانت للواحد . قال : وهي مثل " كاف " " رويدك زيدا " إذا قلت : أرود زيدا . هذه " الكاف " ليس لها موضع مسمى بحرف ، لا رفع ولا نصب ، وإنما هي في المخاطبة مثل كاف " ذاك " . ومثل ذلك قول العرب : " أبصرك زيدا " يدخلون " الكاف " للمخاطبة .
وقال آخرون منهم : معنى : "
أرأيتكم إن أتاكم " أرأيتم . قال : وهذه " الكاف " تدخل للمخاطبة مع التوكيد ، و " التاء " وحدها هي الاسم ، كما أدخلت " الكاف " التي تفرق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة ، كقولهم : " هذا ، وذاك ، وتلك ، وأولئك " فتدخل " الكاف " للمخاطبة ، وليست باسم ، و " التاء " هو الاسم للواحد والجميع ، تركت على حال واحدة ، ومثل ذلك قولهم :
[ ص: 352 ] " ليسك ثم إلا زيد " يراد : ليس و " لا سيك زيد " فيراد : ولا سيما زيد و " بلاك " فيراد ، " بلى " في معنى : " نعم " و " لبئسك رجلا ولنعمك رجلا " . وقالوا : " انظرك زيدا ما أصنع به " و " أبصرك ما أصنع به " بمعنى : أبصره . وحكى بعضهم : " أبصركم ما أصنع به " يراد : أبصروا ، و " انظركم زيدا " أي انظروا . وحكي عن بعض بني كلاب : " أتعلمك كان أحدا أشعر من ذي الرمة ؟ " فأدخل " الكاف " .
وقال بعض نحويي
الكوفة : " أرأيتك عمرا " أكثر الكلام فيه ترك الهمز . قال : و " الكاف " من " أرأيتك " في موضع نصب ، كأن الأصل : أرأيت نفسك على غير هذه الحال ؟ قال : فهذا يثنى ويجمع ويؤنث ، فيقال : " أرأيتما كما " و " أرأيتموكم " . و " وأرأيتنكن " أوقع فعله على نفسه ، وسأله عنها ، ثم كثر به الكلام حتى تركوا " التاء " موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، فقالوا : " أرأيتكم زيدا ما صنع " و " أرأيتكن ما صنع " فوحدوا التاء وثنوا الكاف وجمعوها ، فجعلوها بدلا من " التاء " كما قال : هاؤم اقرءوا كتابيه [ سورة الحاقة : 19 ] ، و " هاء يا رجل " و " هاؤما " ثم قالوا : " هاكم " اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع . فكأن " الكاف " في موضع رفع ، إذ كانت بدلا من " التاء " . وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وهي كقول القائل : " عليك زيدا " " الكاف " في موضع خفض ، والتأويل رفع . فأما ما يجلب فأكثر ما يقع على الأسماء ، ثم تأتي بالاستفهام فيقال : " أرأيتك زيدا هل قام " لأنها صارت بمعنى : أخبرني عن زيد ، ثم بين عما يستخبر . فهذا أكثر الكلام . ولم يأت
[ ص: 353 ] الاستفهام يليها . لم يقل : " أرأيتك هل قمت " لأنهم أرادوا أن يبينوا عمن يسأل ، ثم تبين الحالة التي يسأل عنها . وربما جاء بالجزاء ولم يأت بالاسم ، فقالوا : " أرأيت إن أتيت زيدا هل يأتينا " و " أرأيتك " أيضا و " أرأيت زيدا إن أتيته هل يأتينا " إذا كانت بمعنى : " أخبرني " فيقال باللغات الثلاث .
قال
أبو جعفر : وتأويل الكلام : قل يا
محمد ، لهؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام : أخبروني ، إن جاءكم أيها القوم عذاب الله ، كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة ، وبعضهم بالصاعقة أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم ، وتبعثون لموقف القيامة ، أغير الله هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء ، أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء ؟ " إن كنتم صادقين " يقول : إن كنتم محقين في دعواكم وزعمكم أن آلهتكم التي تدعونها من دون الله تنفع أو تضر .