القول في تأويل قوله (
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ( 46 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا
محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأصنام ، المكذبين بك : أرأيتم ، أيها المشركون بالله غيره ، إن أصمكم الله فذهب بأسماعكم ، وأعماكم فذهب بأبصاركم ، وختم على قلوبكم فطبع عليها ، حتى لا تفقهوا قولا ولا تبصروا حجة ، ولا تفهموا مفهوما ، أي إله غير الله الذي له عبادة كل عابد " يأتيكم به " يقول : يرد عليكم ما ذهب الله به منكم من الأسماع والأبصار والأفهام ، فتعبدوه أو تشركوه في عبادة ربكم الذي يقدر على ذهابه بذلك منكم ، وعلى رده عليكم إذا شاء ؟
وهذا من الله - تعالى ذكره - تعليم نبيه الحجة على المشركين به ، يقول له : قل لهم : إن الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا ، وإنما يستحق العبادة عليكم من كان بيده الضر والنفع ، والقبض والبسط ، القادر على كل ما أراد ، لا العاجز الذي لا يقدر على شيء .
ثم قال - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : "
انظر كيف نصرف الآيات " يقول : انظر كيف نتابع عليهم الحجج ، ونضرب لهم الأمثال والعبر ، ليعتبروا ويذكروا فينيبوا ، "
ثم هم يصدفون " يقول : ثم هم مع متابعتنا عليهم الحجج ، وتنبيهنا إياهم بالعبر ، عن الادكار والاعتبار يعرضون .
[ ص: 366 ]
يقال منه : " صدف فلان عني بوجهه ، فهو يصدف صدوفا وصدفا " أي : عدل وأعرض ، ومنه قول
ابن الرقاع :
إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه ، وهن عن كل سوء يتقى صدف
وقال
لبيد :
يروي قوامح قبل الليل صادفة أشباه جن ، عليها الريط والأزر
فإن قال قائل : وكيف قيل : "
من إله غير الله يأتيكم به " فوحد " الهاء "
[ ص: 367 ] وقد مضى الذكر قبل بالجمع فقال : "
أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم " ؟
قيل : جائز أن تكون " الهاء " عائدة على " السمع " فتكون موحدة لتوحيد " السمع " وجائز أن تكون معنيا بها : من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم من السمع والأبصار والأفئدة ، فتكون موحدة لتوحيد " ما " . والعرب تفعل ذلك ، إذا كنت عن الأفعال وحدت الكناية ، وإن كثر ما يكنى بها عنه من الأفاعيل ، كقولهم : " إقبالك وإدبارك يعجبني " .
وقد قيل : إن " الهاء " التي في " به " كناية عن " الهدى " .
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : " يصدفون " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
13244 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
يصدفون " قال : يعرضون .
13245 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
13246 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
يصدفون " قال : يعدلون .
13247 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
نصرف الآيات ثم هم يصدفون " قال : يعرضون عنها .
[ ص: 368 ]
13248 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
ثم هم يصدفون " قال : يصدون .