القول في تأويل قوله (
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : واذكر ، يا
محمد لحجاجك الذي تحاج به قومك ، وخصومتك إياهم في آلهتهم ، وما تراجعهم فيها ، مما نلقيه إليك ونعلمكه من البرهان والدلالة على باطل ما عليه قومك مقيمون ، وصحة ما أنت عليه مقيم من الدين ، وحقيقة ما أنت عليهم به محتج حجاج
إبراهيم خليلي قومه ، ومراجعته إياهم في باطل ما كانوا عليه مقيمين من عبادة الأوثان ، وانقطاعه إلى الله والرضا به وليا وناصرا دون الأصنام ، فاتخذه إماما واقتد به ، واجعل سيرته في قومك لنفسك مثالا ، إذ قال لأبيه مفارقا لدينه ، وعائبا عبادته الأصنام دون بارئه وخالقه : يا
آزر .
[ ص: 466 ]
ثم اختلف أهل العلم في المعني ب "
آزر " وما هو ، اسم هو أم صفة ؟ وإن كان اسما ، فمن المسمى به ؟ فقال بعضهم : هو اسم أبيه .
ذكر من قال ذلك :
13434 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر " قال : اسم أبيه "
آزر " .
13435 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل قال حدثني
محمد بن إسحاق قال : "
آزر " أبو
إبراهيم . وكان ، فيما ذكر لنا والله أعلم ، رجلا من أهل كوثى ، من قرية
بالسواد ،
سواد الكوفة .
13436 - حدثني
ابن البرقي قال : حدثنا
عمرو بن أبي سلمة قال : سمعت
سعيد بن عبد العزيز يذكر قال : هو "
آزر " وهو "
تارح " مثل "
إسرائيل " و "
يعقوب " .
وقال آخرون : إنه ليس أبا
إبراهيم .
ذكر من قال ذلك :
13437 - حدثنا
محمد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16010وسفيان بن وكيع قالا : حدثنا
جرير ، عن
ليث ، عن
مجاهد قال : ليس "
آزر " أبا
إبراهيم .
13437 - حدثني
الحارث قال حدثني
عبد العزيز قال : حدثنا
الثوري قال أخبرني رجل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : " وإذ قال
إبراهيم لأبيه
آزر " قال : "
آزر " لم يكن بأبيه ، إنما هو صنم .
13439 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
يحيى بن يمان ، عن
سفيان ،
[ ص: 467 ] عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال : "
آزر " اسم صنم .
13440 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : " وإذ قال إبراهيم لأبيه
آزر " قال : اسم أبيه ، ويقال : لا بل اسمه "
تارح " واسم الصنم "
آزر " . يقول : أتتخذ
آزر أصناما آلهة .
وقال آخرون : هو سب وعيب بكلامهم ، ومعناه : معوج . كأنه تأول أنه عابه بزيغه واعوجاجه عن الحق .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الأمصار : (
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ) بفتح "
آزر " على إتباعه " الأب " في الخفض ، ولكنه لما كان اسما أعجميا فتحوه ، إذ لم يجروه ، وإن كان في موضع خفض .
وذكر عن
أبي زيد المديني والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك : (
آزر ) بالرفع على النداء ، بمعنى : يا
آزر .
فأما الذي ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي من حكايته أن "
آزر " اسم صنم ، وإنما نصبه بمعنى : أتتخذ
آزر أصناما آلهة ، فقول من الصواب من جهة العربية بعيد . وذلك أن
العرب لا تنصب اسما بفعل بعد حرف الاستفهام ، لا تقول : " أخاك أكلمت " ؟ وهي تريد : أكلمت أخاك .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأ بفتح
[ ص: 468 ] " الراء " من (
آزر ) ، على إتباعه إعراب " الأب " وأنه في موضع خفض ففتح ، إذ لم يكن جاريا ، لأنه اسم عجمي . وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك ، لإجماع الحجة من القرأة عليه .
وإذ كان ذلك هو الصواب من القراءة ، وكان غير جائز أن يكون منصوبا بالفعل الذي بعد حرف الاستفهام ، صح لك فتحه من أحد وجهين :
إما أن يكون اسما لأبي
إبراهيم صلوات الله عليه وعلى جميع أنبيائه ورسله ، فيكون في موضع خفض ردا على " الأب " ولكنه فتح لما ذكرت من أنه لما كان اسما أعجميا ترك إجراؤه ففتح ، كما تفعل
العرب في أسماء العجم .
أو يكون نعتا له ، فيكون أيضا خفضا بمعنى تكرير اللام عليه ، ولكنه لما خرج مخرج " أحمر " و " أسود " ترك إجراؤه ، وفعل به كما يفعل بأشكاله . فيكون تأويل الكلام حينئذ : وإذ قال
إبراهيم لأبيه الزائغ : أتتخذ أصناما آلهة .
وإذ لم يكن له وجهة في الصواب إلا أحد هذين الوجهين ، فأولى القولين بالصواب منهما عندي قول من قال : " هو اسم أبيه " لأن الله - تعالى ذكره - أخبر أنه أبوه ، وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم ، دون القول الآخر الذي زعم قائله أنه نعت .
فإن قال قائل : فإن أهل الأنساب إنما ينسبون
إبراهيم إلى "
تارح " فكيف يكون "
آزر " اسما له ، والمعروف به من الاسم "
تارح " ؟
[ ص: 469 ]
قيل له : غير محال أن يكون له اسمان ، كما لكثير من الناس في دهرنا هذا ، وكان ذلك فيما مضى لكثير منهم . وجائز أن يكون لقبا يلقب به .