[ ص: 507 ] القول في تأويل قوله (
ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ( 84 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : فجزينا
إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - على طاعته إيانا ، وإخلاصه توحيد ربه ، ومفارقته دين قومه المشركين بالله ، بأن رفعنا درجته في عليين ، وآتيناه أجره في الدنيا ، ووهبنا له أولادا خصصناهم بالنبوة ، وذرية شرفناهم منا بالكرامة ، وفضلناهم على العالمين ، منهم : ابنه
إسحاق ، وابن ابنه
يعقوب " كلا هدينا " يقول : هدينا جميعهم لسبيل الرشاد ، فوفقناهم للحق والصواب من الأديان - "
ونوحا هدينا من قبل " يقول : وهدينا لمثل الذي هدينا
إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الحق والصواب ، فوفقناه له -
نوحا ، من قبل
إبراهيم وإسحاق ويعقوب .
" ومن ذريته
داود " و " الهاء " التي في قوله : "
ومن ذريته " من ذكر
نوح . وذلك أن الله - تعالى ذكره - ذكر في سياق الآيات التي تتلو هذه الآية
لوطا فقال : "
وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين " . ومعلوم أن
لوطا لم يكن من ذرية
إبراهيم صلى الله عليهم أجمعين . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان معطوفا على أسماء من سمينا من ذريته ، كان لا شك أنه لو أريد بالذرية ذرية
إبراهيم ، لما دخل
يونس ولوط فيهم . ولا شك أن
لوطا ليس من ذرية
إبراهيم ، ولكنه من ذرية
نوح ، فلذلك وجب أن تكون " الهاء " في " الذرية " من ذكر
نوح .
[ ص: 508 ]
فتأويل الكلام :
ونوحا وفقنا للحق والصواب من قبل
إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وهدينا أيضا من ذرية
نوح ، داود وسليمان .
و "
داود " هو
داود بن إيشا و "
سليمان " هو ابنه :
سليمان بن داود و "
أيوب " هو
أيوب بن موص بن رزاح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم و "
يوسف " هو
يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم و "
موسى " هو
موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب و "
هارون " أخو
موسى .
"
وكذلك نجزي المحسنين " يقول - تعالى ذكره - : جزينا
نوحا بصبره على ما امتحن به فينا ، بأن هديناه فوفقناه لإصابة الحق الذي خذلنا عنه من عصانا فخالف أمرنا ونهينا من قومه ، وهدينا من ذريته من بعده من ذكر - تعالى ذكره - من أنبيائه لمثل الذي هديناه له . وكما جزينا هؤلاء بحسن طاعتهم إيانا وصبرهم على المحن فينا ، كذلك نجزي بالإحسان كل محسن .