القول في تأويل قوله (
وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ( 91 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : وعلمكم الله جل ثناؤه بالكتاب الذي أنزله إليكم ، ما لم تعلموا أنتم من أخبار من قبلكم ، ومن أنباء من بعدكم ، وما هو كائن في معادكم يوم القيامة " ولا آباؤكم " يقول : ولم يعلمه آباؤكم ، أيها المؤمنون بالله من
العرب وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كالذي : -
13547 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج بن المنهال قال : حدثنا
حماد ، عن
أيوب ، عن
مجاهد : " وعلمتم " معشر
العرب " ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم " .
[ ص: 528 ]
13548 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
عبد الله بن كثير : أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول في قوله : "
وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ، قال : هذه للمسلمين .
وأما قوله : " قل الله " فإنه أمر من الله جل ثناؤه نبيه
محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يجيب استفهامه هؤلاء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله : " قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا " بقيل الله ، كأمره إياه في موضع آخر في هذه السورة بقوله : (
قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ) ، [ سورة الأنعام : 63 ] . فأمره باستفهام المشركين عن ذلك ، كما أمره باستفهامهم إذ قالوا : " ما أنزل الله على بشر من شيء " عمن أنزل الكتاب الذي جاء به
موسى نورا وهدى للناس . ثم أمره بالإجابة عنه هنالك بقيله : (
قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ) [ سورة الأنعام : 64 ] ، كما أمره بالإجابة هاهنا عن ذلك بقيله : الله أنزله على
موسى ، كما : -
13549 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : " قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس " قال : الله أنزله .
ولو قيل : معناه : " قل : هو الله " على وجه الأمر من الله له بالخبر عن
[ ص: 529 ] ذلك لا على وجه الجواب ، إذ لم يكن قوله : " قل من أنزل الكتاب " مسألة من المشركين
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون قوله : " قل الله " جوابا لهم عن مسألتهم ، وإنما هو أمر من الله
لمحمد بمسألة القوم : " من أنزل الكتاب " ؟ فيجب أن يكون الجواب منهم غير الذي قاله
ابن عباس من تأويله كان جائزا ، من أجل أنه استفهام ، ولا يكون للاستفهام جواب ، وهو الذي اخترنا من القول في ذلك لما بينا .
وأما قوله : " ثم ذرهم في خوضهم يلعبون " فإنه يقول لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : ثم ذر هؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، بعد احتجاجك عليهم في قيلهم : "
ما أنزل الله على بشر من شيء " بقولك : "
من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس " وإجابتك ذلك بأن الذي أنزله : الله الذي أنزل عليك كتابه " في خوضهم " يعني : فيما يخوضون فيه من باطلهم وكفرهم بالله وآياته " يلعبون " يقول : يستهزئون ويسخرون .
وهذا من الله وعيد لهؤلاء المشركين وتهدد لهم : يقول الله جل ثناؤه : ثم دعهم لاعبين ، يا
محمد . فإني من وراء ما هم فيه من استهزائهم بآياتي بالمرصاد ، وأذيقهم بأسي ، وأحل بهم إن تمادوا في غيهم سخطي .
[ ص: 530 ]