القول في تأويل قوله (
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم )
قال
أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : ولو ترى ، يا
محمد ، حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة والأنداد ، والقائلين : "
ما أنزل الله على بشر من شيء " والمفترين على الله كذبا ، الزاعمين أن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء ، والقائلين : "
سأنزل مثل ما أنزل الله " فتعاينهم وقد غشيتهم سكرات الموت ، ونزل بهم أمر الله ، وحان فناء آجالهم ، والملائكة باسطو أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم ، كما قال جل ثناؤه : (
فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه ) [ سورة محمد : 27 ، 28 ] . يقولون لهم : أخرجوا أنفسكم .
[ ص: 538 ]
و " الغمرات " جمع " غمرة " و " غمرة كل شيء " كثرته ومعظمه ، وأصله الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ، ومنه قول الشاعر :
وهل ينجي من الغمرات إلا براكاء القتال أو الفرار
وروي عن
ابن عباس في ذلك ، ما : -
13561 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال قال
ابن عباس : قوله
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " قال : سكرات الموت .
13562 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال سمعت
أبا معاذ قال : حدثنا
عبيد بن سليمان قال سمعت
الضحاك يقول في قوله : " في غمرات الموت " يعني سكرات الموت .
وأما " بسط الملائكة أيديها " فإنه مدها .
ثم اختلف أهل التأويل في سبب بسطها أيديها عند ذلك .
فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
13563 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال حدثني
[ ص: 539 ] معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم " قال : هذا عند الموت ، " والبسط " الضرب ، يضربون وجوههم وأدبارهم .
13564 - حدثني
محمد بن سعد قال حدثني أبي ، قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم " يقول : "
الملائكة باسطو أيديهم " يضربون وجوههم وأدبارهم والظالمون في غمرات الموت ، وملك الموت يتوفاهم .
13565 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
والملائكة باسطو أيديهم " يضربونهم .
وقال آخرون : بل بسطها أيديها بالعذاب .
ذكر من قال ذلك :
13566 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو خالد الأحمر ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : "
والملائكة باسطو أيديهم " قال : بالعذاب .
13567 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن الزبير ، عن
ابن عيينة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : "
والملائكة باسطو أيديهم " بالعذاب .
وكان بعض نحويي
الكوفيين يتأول ذلك بمعنى : باسطو أيديهم بإخراج أنفسهم .
فإن قال قائل : ما وجه قوله : "
أخرجوا أنفسكم " ونفوس بني
آدم إنما يخرجها من أبدان أهلها رب العالمين ؟ فكيف خوطب هؤلاء الكفار ، وأمروا في
[ ص: 540 ] حال الموت بإخراج أنفسهم ؟ فإن كان ذلك كذلك ، فقد وجب أن يكون بنو
آدم هم يقبضون أنفس أجسامهم !
قيل : إن معنى ذلك بخلاف الذي [ إليه ] ذهبت وإنما ذلك أمر من الله على ألسن رسله الذين يقبضون أرواح هؤلاء القوم من أجسامهم ، بأداء ما أسكنها ربها من الأرواح إليه ، وتسليمها إلى رسله الذين يتوفونها .