القول في تأويل قوله تعالى (
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به : ولا تسبوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد ، فيسب المشركون الله جهلا منهم بربهم ، واعتداء بغير علم ، كما : -
13738 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : (
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )
[ ص: 34 ] ، قال : قالوا : يا
محمد ، لتنتهين عن سب آلهتنا ، أو لنهجون ربك ! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ، فيسبوا الله عدوا بغير علم .
13739 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ، كان المسلمون يسبون أوثان الكفار ، فيردون ذلك عليهم ، فنهاهم الله أن يستسبوا لربهم ، فإنهم قوم جهلة لا علم لهم بالله .
13740 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ،
عن nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ، قال : لما حضر أبا طالب الموت ، قالت قريش : انطلقوا بنا فلندخل على هذا الرجل ، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه ، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته ، فتقول العرب : " كان يمنعه فلما مات قتلوه " ! فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحارث ، وأمية وأبي ابنا خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص ، والأسود بن البختري ، وبعثوا رجلا منهم يقال له : " المطلب " ، قالوا : استأذن على أبي طالب ! فأتى أبا طالب فقال : هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك ! فأذن لهم ، فدخلوا عليه فقالوا : يا أبا طالب ، أنت كبيرنا وسيدنا ، وإن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا ، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ، ولندعه وإلهه ! فدعاه ، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو طالب : هؤلاء قومك وبنو عمك ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا ، وندعك وإلهك ! قال له أبو طالب : [ ص: 35 ] قد أنصفك قومك ، فاقبل منهم ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرأيتم إن أعطيتكم هذا ، هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ، ودانت لكم بها العجم ، وأدت لكم الخراج ؟ قال أبو جهل : نعم وأبيك ، لنعطينكها وعشر أمثالها ، فما هي ؟ قال : قولوا : " لا إله إلا الله" ! فأبوا واشمأزوا . قال أبو طالب : يا ابن أخي ، قل غيرها ، فإن قومك قد فزعوا منها ! قال : يا عم ، ما أنا بالذي أقول غيرها حتى يأتوني بالشمس فيضعوها في يدي ، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها! إرادة أن يؤيسهم ، فغضبوا وقالوا : لتكفن عن شتمك آلهتنا ، أو لنشتمنك ولنشتمن من يأمرك . فذلك قوله (
فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .
13741 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فيسب الكفار الله عدوا بغير علم ، فأنزل الله : (
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .
13742 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
فيسبوا الله عدوا بغير علم ) قال : إذا سببت إلهه سب إلهك ، فلا تسبوا آلهتهم .
قال
أبو جعفر : وأجمعت الحجة من قرأة الأمصار على قراءة ذلك : (
فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ، بفتح العين ، وتسكين الدال ، وتخفيف الواو من قوله : ( عدوا ) ، على أنه مصدر من قول القائل : " عدا فلان على فلان " ،
[ ص: 36 ] إذا ظلمه واعتدى عليه ، " يعدو عدوا وعدوا وعدوانا " . و " الاعتداء " ، إنما هو : " افتعال " ، من ذلك .
روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : "عدوا " مشددة الواو .
13743 - حدثني بذلك
أحمد بن يوسف قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074القاسم بن سلام قال : حدثنا
حجاج ، عن
هارون ، عن
عثمان بن سعد : (
فيسبوا الله عدوا ) ، مضمومة العين ، مثقلة .
وقد ذكر عن بعض البصريين أنه قرأ ذلك : " فيسبوا الله عدوا " ، يوجه تأويله إلى أنهم جماعة ، كما قال جل ثناؤه : (
فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) ، [ سورة الشعراء : 77 ] ، وكما قال : (
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) ، [ سورة الممتحنة : 1 ] ويجعل نصب " العدو " حينئذ على الحال من ذكر " المشركين " في قوله : (
فيسبوا ) ، فيكون تأويل الكلام : ولا تسبوا أيها المؤمنون الذين يدعو المشركون من دون الله ، فيسب المشركون الله ، أعداء الله ، بغير علم . وإذا كان التأويل هكذا ، كان " العدو " ، من صفة " المشركين " ونعتهم ، كأنه قيل : فيسب المشركون أعداء الله ، بغير علم ولكن " العدو " لما خرج مخرج النكرة وهو نعت للمعرفة ، نصب على الحال .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة عندي في ذلك ، قراءة من قرأ بفتح العين وتخفيف الواو ، لإجماع الحجة من القرأة على قراءة ذلك كذلك ، وغير جائز خلافها فيما جاءت به مجمعة عليه .