القول في تأويل قوله تعالى (
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المخاطبين بقوله : (
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) .
فقال بعضهم : خوطب بقوله : ( وما يشعركم ) المشركون المقسمون بالله ،
[ ص: 40 ] لئن جاءتهم آية ليؤمنن وانتهى الخبر عند قوله : ( وما يشعركم ) ، ثم استؤنف الحكم عليهم بأنهم لا يؤمنون عند مجيئها استئنافا مبتدأ .
ذكر من قال ذلك :
13747 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : ( وما يشعركم ) ، قال : ما يدريكم . قال : ثم أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون .
13748 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : ( وما يشعركم ) ، وما يدريكم " أنها إذا جاءت " ، قال : أوجب عليهم أنها إذا جاءت لا يؤمنون .
13749 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد يقول : "
إنما الآيات عند الله " ، ثم يستأنف فيقول : إنها إذا جاءت لا يؤمنون .
13750 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : (
إنما الآيات عند الله وما يشعركم ) ، وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت . ثم استقبل يخبر عنهم فقال : إذا جاءت لا يؤمنون .
وعلى هذا التأويل قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف " إنها " ، على أن قوله : " إنها إذا جاءت لا يؤمنون " ، خبر مبتدأ منقطع عن الأول .
وممن قرأ ذلك كذلك ، بعض قرأة المكيين والبصريين .
وقال آخرون منهم : بل ذلك خطاب من الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه . قالوا : وذلك
أن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بآية ، المؤمنون به . قالوا : وإنما كان سبب مسألتهم إياه ذلك ، أن المشركين حلفوا أن الآية [ ص: 41 ] إذا جاءت آمنوا واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : سل يا رسول الله ربك ذلك ! فسأل ، فأنزل الله فيهم وفي مسألتهم إياه ذلك : " قل " للمؤمنين بك يا محمد " إنما الآيات عند الله وما يشعركم " ، أيها المؤمنون بأن الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين بالله ، أنهم لا يؤمنون به ففتحوا " الألف " من " أن " .
ومن قرأ ذلك كذلك ، عامة قرأة
أهل المدينة والكوفة ، وقالوا : أدخلت " لا " في قوله : ( لا يؤمنون ) صلة ، كما أدخلت في قوله : (
ما منعك ألا تسجد ) ، [ سورة الأعراف : 12 ] ، وفي قوله : (
وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) ، [ سورة الأنبياء : 95 ] ، وإنما المعنى : وحرام عليهم أن يرجعوا وما منعك أن تسجد .
وقد تأول قوم قرءوا ، ذلك بفتح " الألف " من ( أنها ) بمعنى : لعلها . وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة
أبي بن كعب .
وقد ذكر عن
العرب سماعا منها : " اذهب إلى السوق أنك تشتري لي شيئا " ، بمعنى : لعلك تشتري .
وقد قيل : إن قول
nindex.php?page=showalam&ids=16559عدي بن زيد العبادي :
أعاذل ، ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
[ ص: 42 ] بمعنى : لعل منيتي; وقد أنشدوا في بيت
دريد بن الصمة :
ذريني أطوف في البلاد لأنني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
بمعنى : لعلني . والذي أنشدني أصحابنا عن
الفراء : " لعلني أرى ما ترين " . وقد أنشد أيضا بيت
توبة بن الحمير :
لهنك يا تيسا نزا في مريرة معذب ليلى أن تراني أزورها
[ ص: 43 ]
" لهنك يا تيسا " ، بمعنى : " لأنك " التي في معنى " لعلك " ، وأنشد بيت
أبي النجم العجلي :
قلت لشيبان ادن من لقائه أنا نغدي القوم من شوائه
بمعنى : لعلنا نغدي القوم .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلات في ذلك بتأويل الآية ، قول من قال : ذلك خطاب من الله للمؤمنين به من أصحاب رسوله أعني قوله : (
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) وأن قوله : " أنها " ، بمعنى : لعلها .
وإنما كان ذلك أولى تأويلاته بالصواب ، لاستفاضة القراءة في قرأة الأمصار بالياء من قوله : ( لا يؤمنون ) .
ولو كان قوله : ( وما يشعركم ) خطابا للمشركين ، لكانت القراءة في قوله : ( لا يؤمنون ) ، بالتاء ، وذلك ، وإن كان قد قرأه بعض قرأة المكيين كذلك ، فقراءة خارجة عما عليه قرأة الأمصار ، وكفى بخلاف جميعهم لها دليلا على ذهابها وشذوذها .
وإنما معنى الكلام : وما يدريكم ، أيها المؤمنون ، لعل الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين لا يؤمنون ، فيعاجلوا بالنقمة والعذاب عند ذلك ، ولا يؤخروا به .