القول في تأويل قوله (
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا )
قال
أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به من مشركي الإنس والجن ، يخبر أنه يقول لهم تعالى ذكره يومئذ : (
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ) ، يقول : يخبرونكم بما أوحي إليهم من تنبيهي إياكم على مواضع حججي ، وتعريفي لكم أدلتي على توحيدي ، وتصديق أنبيائي ، والعمل بأمري ، والانتهاء إلى حدودي (
وينذرونكم لقاء يومكم هذا ) ، يقول : يحذرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا ، وعقابي على معصيتكم إياي ، فتنتهوا عن معاصي .
وهذا من الله جل ثناؤه تقريع وتوبيخ لهؤلاء الكفرة على ما سلف منهم في الدنيا من الفسوق والمعاصي . ومعناه : قد أتاكم رسل منكم ينبهونكم على خطأ ما كنتم
[ ص: 121 ] عليه مقيمين بالحجج البالغة ، وينذرونكم وعيد الله على مقامكم على ما كنتم عليه مقيمين ، فلم تقبلوا ذلك ، ولم تتذكروا ولم تعتبروا .
واختلف أهل التأويل في " الجن " ، هل أرسل منهم إليهم ، أم لا ؟
فقال بعضهم : قد أرسل إليهم رسل ، كما أرسل إلى الإنس منهم رسل .
ذكر من قال ذلك :
13896 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
عبيد بن سليمان قال : سئل
الضحاك عن الجن ، هل كان فيهم نبي قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ألم تسمع إلى قول الله : (
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ) ، يعني بذلك : رسلا من الإنس ورسلا من الجن ؟ فقالوا : بلى!
وقال آخرون : لم يرسل منهم إليهم رسول ، ولم يكن له من الجن قط رسول مرسل ، وإنما الرسل من الإنس خاصة ، فأما من الجن فالنذر . قالوا : وإنما قال الله : ( ألم يأتكم رسل منكم ) ، والرسل من أحد الفريقين ، كما قال : ( مرج البحرين يلتقيان ) ، [ سورة الرحمن : 19 ] ، ثم قال : (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، [ سورة الرحمن : 22 ] ، وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب منهما ، وإنما معنى ذلك : يخرج من بعضهما ، أو من أحدهما . قال : وذلك كقول القائل لجماعة أدؤر : " إن في هذه الدور لشرا " ، وإن كان الشر في واحدة منهن ، فيخرج الخبر عن جميعهن ، والمراد به الخبر عن بعضهن ، وكما يقال : " أكلت خبزا ولبنا " ، إذا اختلطا ، ولو قيل : " أكلت لبنا " ، كان
[ ص: 122 ] الكلام خطأ ؛ لأن اللبن يشرب ولا يؤكل .
ذكر من قال ذلك :
13897 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : (
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) ، قال : جمعهم كما جمع قوله : (
ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ) ، [ سورة فاطر : 12 ] ، ولا يخرج من الأنهار حلية قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
ابن عباس : هم الجن لقوا قومهم ، وهم رسل إلى قومهم .
فعلى قول
ابن عباس هذا ، أن من الجن رسلا للإنس إلى قومهم فتأويل الآية على هذا التأويل الذي تأوله
ابن عباس : ألم يأتكم ، أيها الجن والإنس ، رسل منكم ، فأما رسل الإنس فرسل من الله إليهم ، وأما رسل الجن فرسل رسل الله من بني
آدم ، وهم الذين إذا سمعوا القرآن ولوا إلى قومهم منذرين .
وأما الذين قالوا بقول
الضحاك ، فإنهم قالوا : إن الله تعالى ذكره أخبر أن من الجن رسلا أرسلوا إليهم ، كما أخبر أن من الإنس رسلا أرسلوا إليهم . قالوا : ولو جاز أن يكون خبره عن رسل الجن بمعنى أنهم رسل الإنس ، جاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنهم رسل الجن . قالوا : وفي فساد هذا المعنى ما يدل على أن الخبرين جميعا بمعنى الخبر عنهم أنهم رسل الله ؛ لأن ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره .