[ ص: 124 ] القول في تأويل قوله (
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ( 131 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) ، أي : إنما أرسلنا الرسل ، يا
محمد ، إلى من وصفت أمره ، وأعلمتك خبره من مشركي الإنس والجن ، يقصون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم إلي ، من أجل أن ربك لم يكن مهلك القرى بظلم .
وقد يتجه من التأويل في قوله : " بظلم " ، وجهان :
أحدهما : (
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) ، أي : بشرك من أشرك ، وكفر من كفر من أهلها ، كما قال لقمان : (
إن الشرك لظلم عظيم ) ، [ سورة لقمان : 13 ] ( وأهلها غافلون ) ، يقول : لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسلا تنبههم على حجج الله عليهم ، وتنذرهم عذاب الله يوم معادهم إليه ، ولم يكن بالذي يأخذهم غفلة فيقولوا : " ما جاءنا من بشير ولا نذير " .
والآخر : (
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) ، يقول : لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر ، فيظلمهم بذلك ، والله غير ظلام لعبيده .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب عندي ، القول الأول : أن يكون معناه : أن لم يكن ليهلكهم بشركهم ، دون إرسال الرسل إليهم ، والإعذار بينه وبينهم . وذلك أن قوله : (
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) ، عقيب قوله :
[ ص: 125 ] (
ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ) ، فكان في ذلك الدليل الواضح على أن نص قوله : (
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) ، إنما هو : إنما فعلنا ذلك من أجل أنا لا نهلك القرى بغير تذكير وتنبيه .
وأما قوله : ( ذلك ) ، فإنه يجوز أن يكون نصبا ، بمعنى : فعلنا ذلك ويجوز أن يكون رفعا ، بمعنى الابتداء ، كأنه قال : ذلك كذلك .
وأما " أن " ، فإنها في موضع نصب ، بمعنى : فعلنا ذلك من أجل أن لم يكن ربك مهلك القرى فإذا حذف ما كان يخفضها ، تعلق بها الفعل فنصب .