القول في تأويل قوله (
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : (
ما في بطون هذه الأنعام ) .
فقال بعضهم : عنى بذلك اللبن .
ذكر من قال ذلك :
13932 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن عطية قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
عبد الله بن أبي الهذيل ، عن
ابن عباس : (
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ) ، قال : اللبن .
[ ص: 147 ]
13933 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
يحيى ، عن
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
ابن أبي الهذيل ، عن
ابن عباس ، مثله .
13934 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) ، ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء ، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم .
13935 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) ، قال : ما في بطون البحائر ، يعني ألبانها ، كانوا يجعلونه للرجال ، دون النساء .
13936 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
عيسى بن يونس ، عن
زكريا ، عن
عامر قال : " البحيرة " لا يأكل من لبنها إلا الرجال ، وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء .
13937 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ) الآية ، فهو اللبن ، كانوا يحرمونه على إناثهم ، ويشربه ذكرانهم . وكانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه ، وكان للرجال دون النساء . وإن كانت أنثى تركب لم تذبح . وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء . فنهى الله عن ذلك .
وقال آخرون : بل عنى بذلك ما في بطون البحائر والسوائب من الأجنة .
ذكر من قال ذلك :
13938 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل [ ص: 148 ] قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ) ، فهذه الأنعام ، ما ولد منها من حي فهو خالص للرجال دون النساء . وأما ما ولد من ميت ، فيأكله الرجال والنساء .
13939 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ) ، السائبة والبحيرة .
13940 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها : " ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا " ، واللبن ما في بطونها ، وكذلك أجنتها . ولم يخصص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا : بعض ذلك حرام عليهن دون بعض .
وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يقال إنهم قالوا : ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حل لذكورهم خالصة دون إناثهم ، وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم ، إلا أن يكون الذي في بطونها من الأجنة ميتا ، فيشترك حينئذ في أكله الرجال والنساء .
واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت " الخالصة " .
فقال بعض نحويي
البصرة وبعض الكوفيين : أنثت لتحقيق " الخلوص " ، كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة ، فجرى مجرى " راوية " و " نسابة " .
وقال بعض نحويي
الكوفة : أنثت لتأنيث " الأنعام " ؛ لأن " ما في بطونها " ، مثلها ، فأنثت لتأنيثها . ومن ذكره فلتذكير " ما " . قال : وهي في قراءة عبد الله :
[ ص: 149 ] " خالص " . قال : وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدرا ، كما تقول : " العافية " و " العاقبة " ، وهو مثل قوله : ( إنا أخلصناهم بخالصة ) [ سورة ص : 46 ] .
[ ص: 150 ]
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : أريد بذلك المبالغة في خلوص ما في بطون الأنعام التي كانوا حرموا ما في بطونها على أزواجهم ، لذكورهم دون إناثهم ، كما فعل ذلك " بالراوية " و " النسابة " و " العلامة " ، إذا أريد بها المبالغة في وصف من كان ذلك من صفته ، كما يقال : " فلان خالصة فلان ، وخلصانه " .
وأما قوله : ( ومحرم على أزواجنا ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني ب " الأزواج " .
فقال بعضهم : عنى بها النساء .
ذكر من قال ذلك :
13941 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
ومحرم على أزواجنا ) ، قال : النساء .
وقال آخرون : بل عنى بالأزواج البنات .
ذكر من قال ذلك :
13942 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : (
ومحرم على أزواجنا ) ، قال : " الأزواج " ، البنات . وقالوا : ليس للبنات منه شيء .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يقولون لما في بطون هذه الأنعام يعني أنعامهم : " هذا محرم على أزواجنا " ، و " الأزواج " ، إنما هي نساؤهم في كلامهم ، وهن لا شك بنات من هن أولاده ، وحلائل من هن أزواجه .
وفي قول الله عز وجل : ( ومحرم على أزواجنا ) ، الدليل الواضح على أن تأنيث " الخالصة " ، كان لما وصفت من المبالغة في وصف ما في بطون الأنعام بالخلوصة للذكور ؛ لأنه لو كان لتأنيث الأنعام لقيل : و " محرمة على أزواجنا " ، ولكن لما كان التأنيث في " الخالصة " لما ذكرت ، ثم لم يقصد في " المحرم " ما قصد في " الخالصة " من المبالغة ، رجع فيها إلى تذكير " ما " ، واستعمال ما هو أولى به من صفته .
وأما قوله : (
وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ) ، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأه
يزيد بن القعقاع ، nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف ، في آخرين : " وإن تكن ميتة " بالتاء في " تكن " ، ورفع " ميتة " ، غير أن يزيد كان يشدد الياء من " ميتة " ويخففها طلحة .
13943 - حدثني بذلك
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي حماد قال : حدثنا
عيسى ، عن
طلحة بن مصرف .
13944 - وحدثنا
أحمد بن يوسف ، عن
القاسم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12430وإسماعيل بن جعفر ، عن
يزيد .
وقرأ ذلك بعض قرأة
المدينة والكوفة والبصرة : ( وإن يكن ميتة ) ، بالياء ،
[ ص: 151 ] و " ميتة " ، بالنصب ، وتخفيف الياء .
وكأن من قرأ : ( وإن يكن ) ، بالياء ( ميتة ) بالنصب ، أراد : وإن يكن ما في بطون تلك الأنعام فذكر " يكن " لتذكير " ما " ونصب " الميتة " ؛ لأنه خبر " يكن " .
وأما من قرأه : " وإن تكن ميتة " ، فإنه إن شاء الله أراد : وإن تكن ما في بطونها ميتة ، فأنث " تكن " لتأنيث " ميتة " .
وقوله : ( فهم فيه شركاء ) ، فإنه يعني أن الرجال وأزواجهم شركاء في أكله ، لا يحرمونه على أحد منهم ، كما ذكرنا عمن ذكرنا ذلك عنه قبل من أهل التأويل .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : -
13945 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : (
وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ) ، قال : تأكل النساء مع الرجال ، إن كان الذي يخرج من بطونها ميتة ، فهم فيه شركاء ، وقالوا : إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبا ، وإن شئنا لم نجعل .
قال
أبو جعفر : وظاهر التلاوة بخلاف ما تأوله ابن زيد ؛ لأن ظاهرها يدل على أنهم قالوا : " إن يكن ما في بطونها ميتة ، فنحن فيه شركاء " بغير شرط مشيئة . وقد زعم
ابن زيد أنهم جعلوا ذلك إلى مشيئتهم .