القول في تأويل
قوله تعالى ( وقولوا حطة )
وتأويل قوله : ( حطة ) ، فعلة ، من قول القائل : " حط الله عنك خطاياك فهو يحطها حطة " ، بمنزلة الردة والحدة والمدة من حددت ومددت .
واختلف أهل التأويل في تأويله . فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
1009 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر : ( وقولوا حطة ) ، قال قال :
الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا .
1010 - حدثنا
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد : (
وقولوا حطة ) ،
[ ص: 106 ] يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطيئتكم .
1011 - حدثنا
القاسم بن الحسن قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج قال ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
ابن عباس : ( قولوا حطة ) قال : يحط عنكم خطاياكم .
1012 - حدثنا
أبو كريب قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قوله : ( حطة ) ، مغفرة .
10113 - حدثت عن
عمار بن الحسن قال ، حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قوله : ( حطة ) ، قال : يحط عنكم خطاياكم .
1014 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، أخبرني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، قال لي
عطاء في قوله : ( وقولوا حطة ) ، قال : سمعنا أنه : يحط عنهم خطاياهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : قولوا " لا إله إلا الله " ، كأنهم وجهوا تأويله : قولوا الذي يحط عنكم خطاياكم ، وهو قول لا إله إلا الله .
ذكر من قال ذلك :
1015 - حدثني
المثنى بن إبراهيم وسعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قالا أخبرنا
حفص بن عمر ، قال حدثنا
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة : ( وقولوا حطة ) ، قال : قولوا ، " لا إله إلا الله " .
وقال آخرون بمثل معنى قول
عكرمة ، إلا أنهم جعلوا القول الذي أمروا بقيله : الاستغفار .
ذكر من قال ذلك :
1016 - حدثنا
الحسن بن الزبرقان النخعي ، حدثنا
أبو أسامة ، عن
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
المنهال ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : ( وقولوا حطة ) قال : أمروا أن يستغفروا .
[ ص: 107 ] وقال آخرون نظير قول
عكرمة ، إلا أنهم قالوا : القول الذي أمروا أن يقولوه ، هو أن يقولوا : هذا الأمر حق كما قيل لكم .
ذكر من قال ذلك :
1017 - حدثت عن
المنجاب قال ، حدثنا
بشر ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس في قوله : ( وقولوا حطة ) ، قال : قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم .
واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله رفعت " الحطة " .
فقال بعض نحويي
البصرة : رفعت " الحطة " بمعنى " قولوا " ليكن منك حطة لذنوبنا ، كما تقول للرجل : سمعك .
وقال آخرون منهم : هي كلمة أمرهم الله أن يقولوها مرفوعة ، وفرض عليهم قيلها كذلك .
وقال بعض نحويي
الكوفيين : رفعت " الحطة " بضمير " هذه " ، كأنه قال : وقولوا : " هذه " حطة .
وقال آخرون منهم : هي مرفوعة بضمير معناه الخبر ، كأنه قال : قولوا ما هو حطة ، فتكون " حطة " حينئذ خبرا ل " ما " .
قال
أبو جعفر : والذي هو أقرب عندي في ذلك إلى الصواب ، وأشبه بظاهر الكتاب : أن يكون رفع حطة بنية خبر محذوف قد دل عليه ظاهر التلاوة ، وهو دخولنا الباب سجدا حطة ، فكفى من تكريره بهذا اللفظ ما دل عليه الظاهر من التنزيل ، وهو قوله : (
وادخلوا الباب سجدا ) ، كما قال جل ثناؤه :
[ ص: 108 ] (
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ) [ الأعراف : 164 ] ، يعني : موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم . فكذلك عندي تأويل قوله : ( وقولوا حطة ) ، يعني بذلك : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ، وادخلوا الباب سجدا ، وقولوا : دخولنا ذلك سجدا حطة لذنوبنا . وهذا القول على نحو تأويل
الربيع بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج وابن زيد ، الذي ذكرناه آنفا .
قال
أبوجعفر : وأما على تأويل قول
عكرمة ، فإن الواجب أن تكون القراءة بالنصب في " حطة " ، لأن القوم إن كانوا أمروا أن يقولوا : " لا إله إلا الله " ، أو أن يقولوا : " نستغفر الله " ، فقد قيل لهم : قولوا هذا القول ، ف " قولوا " واقع حينئذ على " الحطة " ، لأن " الحطة " على قول
عكرمة - هي قول " لا إله إلا الله " ، وإذا كانت هي قول " لا إله إلا الله " ، فالقول عليها واقع ، كما لو أمر رجل رجلا بقول الخير فقال له : " قل خيرا " نصبا ، ولم يكن صوابا أن يقول له : " قل خير " ، إلا على استكراه شديد .
وفي إجماع القرأة على رفع " الحطة " بيان واضح على خلاف الذي قاله
عكرمة من التأويل في قوله : ( وقولوا حطة ) . وكذلك الواجب على التأويل الذي رويناه عن
الحسن وقتادة في قوله : ( وقولوا حطة ) ، أن تكون القراءة في " حطة " نصبا . لأن من شأن العرب - إذا وضعوا المصادر مواضع الأفعال ، وحذفوا الأفعال - أن ينصبوا المصادر . كما قال الشاعر :
[ ص: 109 ] أبيدوا بأيدي عصبة وسيوفهم على أمهات الهام ضربا شآميا
وكقول القائل للرجل : " سمعا وطاعة " بمعنى : أسمع سمعا وأطيع طاعة ، وكما قال جل ثناؤه : ( معاذ الله ) [ يوسف : 23 ] بمعنى : نعوذ بالله .