صفحة جزء
[ ص: 307 ] القول في تأويل قوله ( فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ( 7 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلنخبرن الرسل ومن أرسلتهم إليه بيقين علم بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به ، وما كنت نهيتهم عنه " وما كنا غائبين " ، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها .

فإن قال قائل : وكيف يسأل الرسل ، والمرسل إليهم ، وهو يخبر أنه يقص عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟

قيل : إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد ، ولا مسألة تعرف منهم ما هو به غير عالم ، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر ، كما يقول الرجل للرجل : " ألم أحسن إليك فأسأت؟ " ، و " ألم أصلك فقطعت؟ " . فكذلك مسألة الله المرسل إليهم ، بأن يقول لهم : " ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري " ؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) ، [ سورة يس : 60 - 61 ] ، ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة ، ومعناه الخبر والقصص ، وهو بعد توبيخ وتقرير .

وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر ، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها : ( ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم ) ؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا : " ما جاءنا من بشير ولا نذير " . فقيل للرسل : " هل بلغتم ما أرسلتم به " ؟ أو قيل لهم : " ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟ " ، كما جاء الخبر [ ص: 308 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما قال جل ثناؤه لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ، [ سورة البقرة : 143 ] . فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم ، وللمرسل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر .

فأما الذي هو عن الله منفي من مسألته خلقه ، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول ، ليعلم السائل علم ذلك من قبله ، فذلك غير جائز أن يوصف الله به ، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها ، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، [ سورة الرحمن : 39 ] ، وبقوله : ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) ، [ سورة القصص : 78 ] ، يعني : لا يسأل عن ذلك أحد منهم مستثبت ، ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه ، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره .

وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع ، فكرهنا إعادته .

وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله : ( فلنقصن عليهم بعلم ) ، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم .

هذا قول غير بعيد من الحق ، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان ، فيقول له : " أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا " ؟ حتى [ ص: 309 ] يذكره ما فعل في الدنيا والتسليم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من التسليم لغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية