القول في
تأويل قوله ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ( 11 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : تأويل ذلك : ( ولقد خلقناكم ) ، في ظهر
آدم ، أيها الناس ( ثم صورناكم ) ، في أرحام النساء . خلقا مخلوقا ومثالا ممثلا في صورة
آدم .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 318 ]
14338 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قوله : ( خلقناكم ) ، يعني
آدم وأما " صورناكم " ، فذريته .
14339 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) الآية ، قال : أما " خلقناكم " ،
فآدم . وأما " صورناكم " ، فذرية آدم من بعده .
14340 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
حكام ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع : ( ولقد خلقناكم ) ، يعني :
آدم ( ثم صورناكم ) ، يعني : في الأرحام .
14341 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس في قوله : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، يقول : خلقناكم خلق
آدم ، ثم صورناكم في بطون أمهاتكم .
14342 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، يقول : خلقنا
آدم ، ثم صورنا الذرية في الأرحام .
14343 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال :
خلق الله آدم من طين " ثم صورناكم " ، في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق : علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم كسا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر .
14344 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
[ ص: 319 ] معمر ، عن
قتادة قال : خلق الله
آدم ، ثم صور ذريته من بعده .
14345 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
عمر بن هارون ، عن
نصر بن مشارس ، عن
الضحاك : (
خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : ذريته .
14346 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال ، سمعت
أبا معاذ يقول ، أخبرنا
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك ، قوله : ( ولقد خلقناكم ) ، يعني
آدم ( ثم صورناكم ) ، يعني : ذريته .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " ولقد خلقناكم " ، في أصلاب آبائكم " ثم صورناكم " ، في بطون أمهاتكم .
ذكر من قال ذلك :
14347 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
شريك ، عن
سماك ، عن
عكرمة : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : خلقناكم في أصلاب الرجال ، وصورناكم في أرحام النساء .
14348 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
الحماني قال ، حدثنا
شريك ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، مثله .
14349 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال ، حدثنا
مؤمل قال ، حدثنا
سفيان قال ، سمعت
الأعمش يقرأ : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : خلقناكم في أصلاب الرجال ، ثم صورناكم في أرحام النساء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ( خلقناكم ) ، يعني
آدم ( ثم صورناكم ) ، يعني في ظهره .
[ ص: 320 ]
ذكر من قال ذلك :
14350 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : ( ولقد خلقناكم ) ، قال :
آدم ( ثم صورناكم ) ، قال : في ظهر
آدم .
14351 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، في ظهر
آدم .
14352 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : صورناكم في ظهر
آدم .
14353 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو سعد المدني قال ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا في قوله : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : في ظهر
آدم ، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة .
وقال آخرون : معنى ذلك : " ولقد خلقناكم " ، في بطون أمهاتكم " ثم صورناكم " ، فيها .
ذكر من قال ذلك :
14354 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عمن ذكره قال : (
خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : خلق الله الإنسان في الرحم ، ثم صوره ، فشق سمعه وبصره وأصابعه .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : تأويله : ( ولقد خلقناكم ) ، ولقد خلقنا
آدم ( ثم صورناكم ) ، بتصويرنا
آدم ، كما قد بينا
[ ص: 321 ] فيما مضى من خطاب العرب الرجل بالأفعال تضيفها إليه ، والمعني في ذلك سلفه ، وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من
اليهود على عهد رسول الله : (
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ) ، [ سورة البقرة : 63 ] . وما أشبه ذلك من الخطاب الموجه إلى الحي الموجود ، والمراد به السلف المعدوم ، فكذلك ذلك في قوله : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، معناه : ولقد خلقنا أباكم
آدم ثم صورناه .
وإنما قلنا : هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن الذي يتلو ذلك قوله : (
ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) ، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود
لآدم ، قبل أن يصور ذريته في بطون أمهاتهم ، بل قبل أن يخلق أمهاتهم .
و " ثم " في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها ، وذلك كقول القائل : " قمت ثم قعدت " ، لا يكون " القعود " إذ عطف به ب " ثم " على قوله : " قمت " إلا بعد القيام ، وكذلك ذلك في جميع الكلام . ولو كان العطف في ذلك بالواو ، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها ، وذلك كقول القائل : " قمت وقعدت " ، فجائز أن يكون " القعود " في هذا الكلام قد كان قبل " القيام " ، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفا ، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها ، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين ، أو إن كانا في وقتين ، أيهما
[ ص: 322 ] المتقدم وأيهما المتأخر . فلما وصفنا قلنا إن قوله : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا .
فإن ظن ظان أن العرب ، إذ كانت ربما نطقت ب " ثم " في موضع " الواو " في ضرورة شعره ، كما قال بعضهم :
سألت ربيعة : من خيرها أبا ثم أما؟ فقالت : لمه؟
بمعنى : أبا وأما ، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره فإن ذلك بخلاف ما ظن . وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب ، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذ من لغاتها ، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهوم ووجه معروف .
وقد وجه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم ، وزعم أن معنى ذلك : ولقد خلقناكم ، ثم قلنا للملائكة اسجدوا
لآدم ، ثم صورناكم . وذلك غير جائز في كلام العرب ، لأنها لا تدخل " ثم " في الكلام وهي مراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر ، وإن كانوا قد يقدمونها في الكلام ، إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير ، وذلك كقولهم : " قام ثم عبد الله عمرو " ، فأما إذا قيل : " قام عبد الله ثم قعد عمرو " ، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله ، إذا كان الخبر صدقا ، فقول الله تبارك وتعالى : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ) ، نظير قول القائل : " قام عبد الله ثم قعد عمرو " ، في أنه غير جائز أن يكون أمر الله الملائكة بالسجود
لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير ، لما وصفنا قبل .
وأما قوله للملائكة : ( اسجدوا لآدم ) ، فإنه يقول جل ثناؤه : فلما صورنا
[ ص: 323 ] آدم وجعلناه خلقا سويا ، ونفخنا فيه من روحنا ، قلنا للملائكة : " اسجدوا لآدم " ، ابتلاء منا واختبارا لهم بالأمر ، ليعلم الطائع منهم من العاصي ، ( فسجدوا ) ، يقول : فسجد الملائكة إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين
لآدم حين أمره الله مع من أمر من سائر الملائكة غيره بالسجود .
وقد بينا فيما مضى ، المعنى الذي من أجله امتحن جل جلاله ملائكته بالسجود
لآدم ، وأمر إبليس وقصصه ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .