القول في
تأويل قوله ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ( 17 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معنى قوله : (
لآتينهم من بين أيديهم ) ، من قبل الآخرة ( ومن خلفهم ) ، من قبل الدنيا ( وعن أيمانهم ) ، من قبل الحق ( وعن شمائلهم ) ، من قبل الباطل .
ذكر من قال ذلك :
14369 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ) ، يقول : أشككهم في آخرتهم ( ومن خلفهم ) ، أرغبهم في دنياهم ( وعن أيمانهم ) ، أشبه عليهم أمر دينهم ( وعن شمائلهم ) ، أشهي لهم المعاصي .
وقد روي عن
ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل ، وذلك ما : -
14370 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ) ،
[ ص: 339 ] يعني من الدنيا ( ومن خلفهم ) ، من الآخرة ( وعن أيمانهم ) ، من قبل حسناتهم ( وعن شمائلهم ) ، من قبل سيئاتهم .
وتحقق هذه الرواية الأخرى التي :
14371 - حدثني بها
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، قال : أما " بين أيديهم " ، فمن قبلهم ، وأما " من خلفهم " ، فأمر آخرتهم ، وأما " عن أيمانهم " ، فمن قبل حسناتهم ، وأما " عن شمائلهم " ، فمن قبل سيئاتهم .
14372 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ) الآية ، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار " ومن خلفهم " ، من أمر الدنيا ، فزينها لهم ودعاهم إليها " وعن أيمانهم " ، من قبل حسناتهم بطأهم عنها " وعن شمائلهم " ، زين لهم السيئات والمعاصي ، ودعاهم إليها ، وأمرهم بها . أتاك يا ابن آدم من كل وجه ، غير أنه لم يأتك من فوقك ، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله!
وقال آخرون : بل معنى قوله : ( من بين أيديهم ) ، من قبل دنياهم ( ومن خلفهم ) ، من قبل آخرتهم .
ذكر من قال ذلك :
14373 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال ، حدثنا
مؤمل قال ، حدثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم في قوله : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم ) ، قال : ( من بين أيديهم ) ، من قبل دنياهم ( ومن خلفهم ) ، من قبل آخرتهم ( وعن أيمانهم ) من قبل حسناتهم ( وعن شمائلهم ) ، من قبل سيئاتهم .
14374 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
منصور ،
[ ص: 340 ] عن
الحكم : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، قال : ( من بين أيديهم ) ، من دنياهم ( ومن خلفهم ) ، من آخرتهم ( وعن أيمانهم ) ، من حسناتهم ( وعن شمائلهم ) ، من قبل سيئاتهم .
14375 - حدثنا
سفيان قال ، حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
الحكم : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ) ، قال : من قبل الدنيا يزينها لهم ( ومن خلفهم ) من قبل الآخرة يبطئهم عنها ( وعن أيمانهم ) ، من قبل الحق يصدهم عنه ( وعن شمائلهم ) ، من قبل الباطل يرغبهم فيه ويزينه لهم .
14376 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، أما ( من بين أيديهم ) ، فالدنيا ، أدعوهم إليها وأرغبهم فيها ( ومن خلفهم ) ، فمن الآخرة أشككهم فيها وأباعدها عليهم ( وعن أيمانهم ) ، يعني الحق فأشككهم فيه ( وعن شمائلهم ) ، يعني الباطل أخففه عليهم وأرغبهم فيه .
14377 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : ( من بين أيديهم ) ، من دنياهم ، أرغبهم فيها ( ومن خلفهم ) ، آخرتهم ، أكفرهم بها وأزهدهم فيها ( وعن أيمانهم ) ، حسناتهم أزهدهم فيها ( وعن شمائلهم ) ، مساوئ أعمالهم ، أحسنها إليهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون .
ذكر من قال ذلك :
14378 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قول الله : ( من بين أيديهم وعن أيمانهم ) ،
[ ص: 341 ] قال : حيث يبصرون ( ومن خلفهم ) ( وعن شمائلهم ) ، حيث لا يبصرون .
14379 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
14380 - حدثنا
ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا
جرير ، عن
منصور قال ، تذاكرنا عند
مجاهد قوله : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، فقال
مجاهد : هو كما قال ، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم زاد
ابن حميد ، قال : " يأتيهم من ثم " .
14381 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو سعد المدني قال : قال
مجاهد ، فذكر نحو حديث
محمد بن عمرو ، عن
أبي عاصم .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال : معناه : ثم لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل ، فأصدهم عن الحق ، وأحسن لهم الباطل . وذلك أن ذلك عقيب قوله : (
لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) ، فأخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه ، وهو ما وصفنا من دين الله دين الحق ، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه ، من الوجه الذي أمرهم الله به ، فيصدهم عنه ، وذلك " من بين أيديهم وعن أيمانهم " ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه ، فيزينه لهم ويدعوهم إليه ، وذلك " من خلفهم وعن شمائلهم " .
وقيل : ولم يقل : " من فوقهم " ، لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم .
ذكر من قال ذلك :
14382 - حدثنا
سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال ، حدثنا
حفص بن عمر قال ، حدثنا
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : (
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، ولم يقل :
[ ص: 342 ] " من فوقهم " ، لأن الرحمة تنزل من فوقهم .
وأما قوله : (
ولا تجد أكثرهم شاكرين ) . فإنه يقول : ولا تجد ، رب ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك التي أنعمت عليهم ، كتكرمتك أباهم
آدم بما أكرمته به ، من إسجادك له ملائكتك ، وتفضيلك إياه علي ، و " شكرهم إياه " طاعتهم له بالإقرار بتوحيده ، واتباع أمره ونهيه .
وكان
ابن عباس يقول في ذلك بما : -
14383 - حدثني به
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : (
ولا تجد أكثرهم شاكرين ) ، يقول : موحدين .