القول في
تأويل قوله ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة )
قال
أبو جعفر : يقول الله تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا
محمد لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم : (
من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، إذ عيوا بالجواب ، فلم يدروا ما يجيبونك : زينة الله التي أخرج لعباده ، وطيبات رزقه ، للذين صدقوا الله ورسوله ، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك ، في الدنيا ، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف
[ ص: 399 ] أمر ربه ، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة ، لا يشركهم في ذلك يومئذ أحد كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
14540 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول : شارك المسلمون الكفار في الطيبات ، فأكلوا من طيبات طعامها ، ولبسوا من خيار ثيابها ، ونكحوا من صالح نسائها ، وخلصوا بها يوم القيامة .
14541 - وحدثني به
المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه ، عن
ابن عباس فقال : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) ، يعني : يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء .
14542 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : قال الله
لمحمد صلى الله عليه وسلم : (
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول : قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا ، لا يشركهم فيها أحد في الآخرة . وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم ، فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة .
14543 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
سلمة بن نبيط ، عن
[ ص: 400 ] الضحاك : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال :
اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا ، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة .
14544 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، خالصة للمؤمنين في الآخرة ، لا يشاركهم فيها الكفار . فأما في الدنيا فقد شاركوهم .
14545 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، من عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة ، ومن ترك الإيمان في الدنيا قدم على ربه لا عذر له .
14546 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) ، يشترك فيها معهم المشركون (
خالصة يوم القيامة ) ، للذين آمنوا .
14547 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال ، سمعت
أبا معاذ قال ، حدثنا
عبيد بن سليمان قال ، سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول : المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب ، ويوم القيامة يخلص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين ، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيب .
14548 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر ، ويخلص خير الآخرة للمؤمنين ، وليس للكافر فيها نصيب .
14549 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال : هذه يوم
[ ص: 401 ] القيامة للذين آمنوا ، لا يشركهم فيها أهل الكفر ، ويشركونهم فيها في الدنيا . وإذا كان يوم القيامة ، فليس لهم فيها قليل ولا كثير .
وقال
سعيد بن جبير في ذلك بما : -
14550 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
إسماعيل بن أبان ، وحبويه الرازي أبو يزيد ، عن
يعقوب القمي ، عن
سعيد بن جبير : (
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال : ينتفعون بها في الدنيا ، ولا يتبعهم إثمها .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " خالصة " .
فقرأ ذلك بعض قرأة
المدينة : " خالصة " ، برفعها ، بمعنى : قل هي خالصة للذين آمنوا .
وقرأه سائر قرأة الأمصار : ( خالصة ) ، بنصبها على الحال من " لهم " ، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاء منها بدلالة الظاهر عليها ، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام : قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة ، وهي لهم في الآخرة خالصة . ومن قال ذلك بالنصب ، جعل خبر " هي " في قوله : ( للذين آمنوا )
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين عندي بالصحة ، قراءة من قرأ نصبا ، لإيثار العرب النصب في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة ، وإن كان الرفع جائزا ، غير أن ذلك أكثر في كلامهم .