القول في تأويل قوله تعالى (
وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها )
قد دللنا - فيما مضى قبل - على
معنى " الصبر " وأنه كف النفس وحبسها عن الشيء . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية إذا : واذكروا إذ قلتم - يا معشر بني إسرائيل - : لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد - وذلك " الطعام الواحد " ، هو ما أخبر الله جل ثناؤه أنه أطعمهموه في تيههم ، وهو " السلوى "
[ ص: 125 ] في قول بعض أهل التأويل ، وفي قول وهب بن منبه هو " الخبز النقي مع اللحم " - فاسأل لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من البقل والقثاء ، وما سمى الله مع ذلك ، وذكر أنهم سألوه
موسى .
وكان سبب مسألتهم
موسى ذلك فيما بلغنا ، ما : -
1054 - حدثنا به
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ) قال : كان القوم في البرية قد ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، فملوا ذلك ، وذكروا عيشا كان لهم
بمصر ، فسألوه
موسى . فقال الله تعالى : (
اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) .
1055 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
لن نصبر على طعام واحد ) ، قال : ملوا طعامهم ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك ، قالوا : (
ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ) الآية .
1056 - حدثني
المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا
آدم قال ، حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية في قوله : (
وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ) ، قال : كان طعامهم السلوى ، وشرابهم المن ، فسألوا ما ذكر ، فقيل لهم : (
اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) .
قال
أبو جعفر : وقال
قتادة : إنهم لما قدموا الشام فقدوا أطعمتهم التي كانوا يأكلونها ، فقالوا : (
ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) ، وكانوا قد ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، فملوا ذلك ، وذكروا عيشا كانوا فيه
بمصر .
1057 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى [ ص: 126 ] قال ، سمعت
ابن أبي نجيح في قوله عز وجل : (
لن نصبر على طعام واحد ) ، المن والسلوى ، فاستبدلوا به البقل وما ذكر معه .
1058 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد بمثله سواء .
1059 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد بمثله .
1060 - حدثني
موسى بن هارون قال ، حدثنا
عمرو بن حماد قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أعطوا في التيه ما أعطوا ، فملوا ذلك وقالوا : (
يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) .
1061 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، أنبأنا
ابن زيد قال : كان طعام بني إسرائيل في التيه واحدا ، وشرابهم واحدا . كان شرابهم عسلا ينزل لهم من السماء يقال له المن ، وطعامهم طير يقال له السلوى ، يأكلون الطير ويشربون العسل ، لم يكونوا يعرفون خبزا ولا غيره . فقالوا : يا
موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها " ، فقرأ حتى بلغ : (
اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) .
وإنما قال جل ذكره : (
يخرج لنا مما تنبت الأرض ) - ولم يذكر الذي سألوه أن يدعو ربه ليخرج لهم من الأرض ، فيقول : قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا كذا وكذا مما تنبته الأرض من بقلها وقثائها - لأن " من " تأتي بمعنى التبعيض لما بعدها ، فاكتفي بها عن ذكر التبعيض ، إذ كان معلوما بدخولها معنى ما أريد بالكلام الذي هي فيه . كقول القائل : أصبح اليوم عند فلان من الطعام " يريد شيئا منه .
وقد قال بعضهم : " من " هاهنا بمعنى الإلغاء والإسقاط . كأن معنى الكلام
[ ص: 127 ] عنده : يخرج لنا ما تنبت الأرض من بقلها . واستشهد على ذلك بقول العرب : " ما رأيت من أحد " بمعنى : ما رأيت أحدا ، وبقول الله : (
ويكفر عنكم من سيئاتكم ) [ البقرة : 271 ] ، وبقولهم : " قد كان من حديث ، فخل عني حتى أذهب " ، يريدون : قد كان حديث .
وقد أنكر من أهل العربية جماعة أن تكون " من " بمعنى الإلغاء في شيء من الكلام ، وادعوا أن دخولها في كل موضع دخلت فيه ، مؤذن أن المتكلم مريد لبعض ما أدخلت فيه لا جميعه ، وأنها لا تدخل في موضع إلا لمعنى مفهوم .
فتأويل الكلام إذا - على ما وصفنا من أمر " من " - : فادع لنا ربك يخرج لنا بعض ما تنبت الأرض من بقلها وقثائها .
و" البقل " و" القثاء " و" العدس " و" البصل " ، هو ما قد عرفه الناس بينهم من نبات الأرض وحبها .
وأما " الفوم " ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه . فقال بعضهم : هو الحنطة والخبز .
ذكر من قال ذلك :
1062 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال ، حدثنا
أبو أحمد ومؤمل قالا حدثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
عطاء قال : الفوم : ، الخبز .
1063 - حدثنا
أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا
أبو أحمد ، حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ومجاهد قوله : ( وفومها ) قالا خبزها .
1064 - حدثني
زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو قالا حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى بن ميمون ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : ( وفومها ) ، قال : الخبز .
[ ص: 128 ] 1065 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد ، عن
سعيد ، عن
قتادة والحسن : الفوم ، هو الحب الذي يختبزه الناس .
1066 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة والحسن بمثله .
1067 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا
هشيم قال ، أخبرنا
حصين ، عن
أبي مالك في قوله : ( وفومها ) قال : الحنطة .
1068 - حدثني
موسى بن هارون قال ، حدثنا
عمرو بن حماد قال ، حدثنا
أسباط بن نصر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ( وفومها ) ، الحنطة .
1069 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال ، حدثنا
هشيم ، عن
يونس ، عن
الحسن وحصين ، عن
أبي مالك في قوله : ( وفومها ) ، الحنطة .
1070 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
آدم قال ، حدثنا
أبو جعفر الرازي ، عن
قتادة قال : الفوم ، الحب الذي يختبز الناس منه .
1071 - حدثني
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، قال لي
عطاء بن أبي رباح قوله : ( وفومها ) ، قال : خبزها ، قالها
مجاهد .
1072 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال لي
ابن زيد : الفوم ، الخبز .
1073 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17324يحيى بن عثمان السهمي قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : ( وفومها ) يقول : الحنطة والخبز .
1074 - حدثت عن
المنجاب قال ، حدثنا
بشر ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس في قوله : ( وفومها ) قال : هو البر بعينه ، الحنطة .
1075 - حدثنا
علي بن الحسن قال ، حدثنا
مسلم الجرمي قال ، حدثنا
عيسى بن يونس ، عن
رشدين بن كريب ، عن أبيه ، عن
ابن عباس في قول الله عز
[ ص: 129 ] وجل : ( وفومها ) قال : الفوم ، الحنطة بلسان
بني هاشم .
1076 - حدثني
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثنا
عبد العزيز بن منصور ، عن
نافع بن أبي نعيم ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس سئل عن قول الله : ( وفومها ) ، قال : الحنطة ، أما سمعت قول
أحيحة بن الجلاح وهو يقول :
قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم
وقال آخرون : هو الثوم .
ذكر من قال ذلك :
1077 - حدثني
أحمد بن إسحاق الأهوازي قال ، حدثنا
أبو أحمد قال ، حدثنا
شريك ، عن
ليث ، عن
مجاهد قال : هو هذا الثوم .
1078 - حدثني
المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قال : الفوم ، الثوم .
وهو في بعض القراءات " وثومها " .
[ ص: 130 ] وقد ذكر أن تسمية الحنطة والخبز جميعا " فوما " من اللغة القديمة . حكي سماعا من أهل هذه اللغة : " فوموا لنا " ، بمعنى اختبزوا لنا .
وذكر أن ذلك قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : " وثومها " بالثاء . فإن كان ذلك صحيحا ، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم : " وقعوا في عاثور شر : وعافور شر " وكقولهم " " للأثافي ، أثاثي ; وللمغافير ، مغاثير " وما أشبه ذلك مما تقلب الثاء فاء والفاء ثاء ، لتقارب مخرج الفاء من مخرج الثاء . و" المغافير " شبيه بالشيء الحلو ، يشبه بالعسل ، ينزل من السماء حلوا ، يقع على الشجر ونحوها .