[ ص: 551 ] القول في
تأويل قوله ( فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ( 83 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما أبى
قوم لوط مع توبيخ
لوط إياهم على ما يأتون من الفاحشة ، وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتحريم ذلك عليهم إلا التمادي في غيهم ، أنجينا
لوطا وأهله المؤمنين به ، إلا امرأته ، فإنها كانت
للوط خائنة ، وبالله كافرة .
وقوله : (
من الغابرين ) ، يقول : من الباقين .
وقيل : (
من الغابرين ) ، ولم يقل " الغابرات " ، لأنه أريد أنها ممن بقي مع الرجال ، فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قيل : " من الغابرين " .
والفعل منه : " غبر يغبر غبورا ، وغبرا " ، وذلك إذا بقي ، كما قال
الأعشى :
عض بما أبقى المواسي له من أمة في الزمن الغابر
وكما قال الآخر :
[ ص: 552 ] وأبي الذي فتح البلاد بسيفه فأذلها لبني أبان الغابر
يعني : الباقي .
فإن قال قائل : فكانت امرأة
لوط ممن نجا من الهلاك الذي هلك به
قوم لوط؟
قيل : لا بل كانت فيمن هلك .
فإن قال : فكيف قيل : (
إلا امرأته كانت من الغابرين ) ، وقد قلت إن معنى " الغابر " الباقي؟ فقد وجب أن تكون قد بقيت؟
قيل : إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه ، وإنما عنى بذلك ، إلا امرأته
[ ص: 553 ] كانت من الباقين قبل الهلاك ، والمعمرين الذين قد أتى عليهم دهر كبير ومر بهم زمن كثير ، حتى هرمت فيمن هرم من الناس ، فكانت ممن غبر الدهر الطويل قبل هلاك القوم ، فهلكت مع من هلك من
قوم لوط حين جاءهم العذاب .
وقيل : معنى ذلك : من الباقين في عذاب الله .
ذكر من قال ذلك :
14839 - حدثني
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
إلا عجوزا في الغابرين ) ، [ سورة الشعراء : 171 - سورة الصافات : 135 ] ، في عذاب الله .