القول في
تأويل قوله ( الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ( 92 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فأهلك الذين كذبوا
شعيبا فلم يؤمنوا به ، فأبادهم ، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء (
كأن لم يغنوا فيها ) ، يقول : كأن لم ينزلوا قط ولم يعيشوا بها حين هلكوا .
يقال : " غني فلان بمكان كذا ، فهو يغنى به غنى وغنيا " ، إذا نزل به وكان به ، كما قال الشاعر .
ولقد يغنى بها جيرانك ال ممسكو منك بعهد ووصال
[ ص: 570 ] وقال رؤبة :
وعهد مغنى دمنة بضلفعا
إنما هو " مفعل " من " غني " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
14866 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور قال ، حدثنا
معمر ، عن
قتادة . (
كأن لم يغنوا فيها ) ، : كأن لم يعيشوا ، كأن لم ينعموا .
14867 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح ، قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : (
كأن لم يغنوا فيها ) ، يقول : كأن لم يعيشوا فيها .
14868 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
كأن لم يغنوا فيها ) ، كأن لم يكونوا فيها قط .
وقوله : (
الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) ، يقول تعالى ذكره : لم يكن الذين اتبعوا
شعيبا الخاسرين ، بل الذين كذبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين . لأنه أخبر عنهم جل ثناؤه : أن الذين كذبوا
شعيبا قالوا للذين أرادوا اتباعه : (
لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون ) ، فكذبهم الله بما أحل بهم من عاجل نكاله ، ثم قال لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : ما خسر تباع
شعيب ، بل كان الذين كذبوا
شعيبا لما جاءت عقوبة الله ، هم الخاسرين ، دون الذين صدقوا وآمنوا به .