القول في
تأويل قوله ( ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( 95 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (
ثم بدلنا ) أهل القرية التي أخذنا أهلها بالبأساء والضراء (
مكان السيئة ) ، وهي البأساء والضراء . وإنما جعل ذلك " سيئة " ، لأنه مما يسوء الناس ولا تسوءهم " الحسنة " ، وهي الرخاء والنعمة والسعة في المعيشة (
حتى عفوا ) ، يقول : حتى كثروا .
وكذلك كل شيء كثر ، فإنه يقال فيه : " قد عفا " ، كما قال الشاعر :
ولكنا نعض السيف منها بأسوق عافيات الشحم كوم
[ ص: 574 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك .
14873 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
مكان السيئة الحسنة ) ، قال : مكان الشدة رخاء (
حتى عفوا ) .
14874 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
مكان السيئة الحسنة ) ، قال : " السيئة " ، الشر ، و " الحسنة " ، الرخاء والمال والولد .
14875 - حدثنا
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة ، قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
مكان السيئة الحسنة ) ، قال : " السيئة " ، الشر ، و " الحسنة " ، الخير .
14876 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ) ، يقول : مكان الشدة الرخاء .
14877 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : (
ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا ) ، قال : بدلنا مكان ما كرهوا ما أحبوا في الدنيا (
حتى عفوا ) ، من ذلك العذاب (
وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ) .
واختلفوا في تأويل قوله : (
حتى عفوا ) .
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
14878 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
[ ص: 575 ] معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
حتى عفوا ) ، يقول : حتى كثروا وكثرت أموالهم .
حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : (
حتى عفوا ) ، قال : جموا .
14879 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
حتى عفوا ) ، قال : كثرت أموالهم وأولادهم .
14880 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
14881 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن مفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
حتى عفوا ) ، حتى كثروا .
14882 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم : (
حتى عفوا ) ، قال : حتى جموا وكثروا .
14883 - . . . قال ، حدثنا
جابر بن نوح ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس : (
حتى عفوا ) ، قال : حتى جموا .
14884 - . . . قال ، حدثنا
المحاربي ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : (
حتى عفوا ) ، يعني : جموا وكثروا .
14885 - . . . قال ، حدثنا
عبد الله بن رجاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
حتى عفوا ) ، قال : حتى كثرت أموالهم وأولادهم .
حدثنا
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
حتى عفوا ) ، كثروا كما يكثر النبات والريش ، ثم أخذهم عند ذلك بغتة وهم لا يشعرون .
[ ص: 576 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : حتى سروا .
ذكر من قال ذلك .
14886 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
حتى عفوا ) ، يقول : حتى سروا بذلك .
قال
أبو جعفر : وهذا الذي قاله
قتادة في معنى : " عفوا " ، تأويل لا وجه له في كلام العرب . لأنه لا يعرف " العفو " بمعنى السرور ، في شيء من كلامها ، إلا أن يكون أراد : حتى سروا بكثرتهم وكثرة أموالهم ، فيكون ذلك وجها ، وإن بعد .
وأما قوله : (
وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ) ، فإنه خبر من الله عن هؤلاء القوم الذين أبدلهم مكان الحسنة السيئة التي كانوا فيها ، استدراجا وابتلاء ، أنهم قالوا إذ فعل ذلك بهم : هذه أحوال قد أصابت من قبلنا من آبائنا ، ونالت أسلافنا ، ونحن لا نعدو أن نكون أمثالهم يصيبنا ما أصابهم من الشدة في المعايش والرخاء فيها وهي " السراء " ، لأنها تسر أهلها .
وجهل المساكين شكر نعمة الله ، وأغفلوا من جهلهم استدامة فضله بالإنابة إلى طاعته ، والمسارعة إلى الإقلاع عما يكرهه بالتوبة ، حتى أتاهم أمره وهم لا يشعرون .
يقول جل جلاله : (
فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ) ، يقول : فأخذناهم بالهلاك والعذاب فجأة ، أتاهم على غرة منهم بمجيئه ، وهم لا يدرون ولا يعلمون أنه يجيئهم ، بل هم بأنه آتيهم مكذبون حتى يعاينوه ويروه .