القول في
تأويل قوله ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ( 137 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأورثنا القوم الذين كان
فرعون وقومه يستضعفونهم ، فيذبحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، ويستخدمونهم تسخيرا واستعبادا من
بني إسرائيل مشارق الأرض
الشأم ، وذلك ما يلي الشرق منها "
ومغاربها التي باركنا فيها " ، يقول : التي جعلنا فيها الخير ثابتا دائما لأهلها .
وإنما قال جل ثناؤه : ( وأورثنا ) ، لأنه أورث ذلك
بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة .
وبمثل الذي قلنا في قوله : (
مشارق الأرض ومغاربها ) ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15043 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
يحيى بن يمان ، عن
إسرائيل ، عن
فرات القزاز ، عن
الحسن في قوله : (
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) ، قال :
الشأم .
15044 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
إسرائيل ، عن
فرات القزاز قال : سمعت
الحسن يقول ، فذكر نحوه .
15045 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
قبيصة ، عن
سفيان ، عن
فرات [ ص: 77 ] القزاز ، عن
الحسن ، " الأرض التي باركنا فيها " ، قال :
الشأم .
15046 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) ، هي أرض
الشأم .
15047 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قوله : (
مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) ، قال : التي بارك فيها ،
الشأم .
وكان بعض أهل العربية يزعم "أن مشارق الأرض ومغاربها" ، نصب على المحل ، بمعنى : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها وأن قوله : "وأورثنا" إنما وقع على قوله : (
التي باركنا فيها ) .
وذلك قول لا معنى له ، لأن
بني إسرائيل لم يكن يستضعفهم أيام
فرعون غير
فرعون وقومه ، ولم يكن له سلطان إلا
بمصر ، فغير جائز والأمر كذلك أن يقال : الذين يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها .
فإن قال قائل : فإن معناه : في مشارق أرض
مصر ومغاربها فإن ذلك بعيد من المفهوم في الخطاب ، مع خروجه عن أقوال أهل التأويل والعلماء بالتفسير .
وأما قوله : (
وتمت كلمة ربك الحسنى ) ، فإنه يقول : وفي وعد الله الذي وعد
بني إسرائيل بتمامه ، على ما وعدهم ، من تمكينهم في الأرض ، ونصره إياهم على عدوهم
فرعون و"كلمته الحسنى" ، قوله جل ثناؤه : (
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )
[ ص: 78 ] [ القصص : 5 - 6 ] .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15048 - حدثنا
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : (
وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل ) ، قال : ظهر قوم
موسى على
فرعون ، و "تمكين الله لهم في الأرض" ، وما ورثهم منها .
15049 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد بنحوه .
وأما قوله : (
ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ) ، فإنه يقول : وأهلكنا ما كان
فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع (
وما كانوا يعرشون ) ، يقول : وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور ، وأخرجناهم من ذلك كله ، وخربنا جميع ذلك .
وقد بينا معنى "التعريش" ، فيما مضى بشواهده . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15050 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وما كانوا يعرشون ) ، يقول : يبنون .
[ ص: 79 ]
15051 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : ( يعرشون ) ، يبنون البيوت والمساكن ما بلغت ، وكان عنبهم غير معرش .
15052 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة
الحجاز والعراق : ( يعرشون ) ، بكسر الراء سوى عاصم بن أبي النجود ، فإنه قرأه بضمها .
قال
أبو جعفر : وهما لغتان مشهورتان في العرب ، يقال : "عرش يعرش ويعرش . فإذا كان ذلك كذلك ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لاتفاق معنيي ذلك ، وأنهما معروفان من كلام العرب . وكذلك تفعل العرب في "فعل" ، إذا ردته إلى الاستقبال ، تضم العين منه أحيانا ، وتكسره أحيانا . غير أن أحب القراءتين إلي كسر "الراء" ، لشهرتها في العامة ، وكثرة القرأة بها ، وأنها أصح اللغتين .