القول في
تأويل قوله ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما اطلع الرب للجبل ، جعل الله الجبل دكا ، أي : مستويا بالأرض (
وخر موسى صعقا ) ، أي : مغشيا عليه .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15078 - حدثني
الحسين بن محمد بن عمرو العنقزي قال ، حدثني أبي قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قول الله : (
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) ، قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ( جعله دكا ، قال : ترابا (
وخر موسى صعقا ) ، قال : مغشيا عليه .
15079 - حدثنا
موسى قال ، حدثنا
عمرو قال ، حدثنا
أسباط قال : زعم
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس أنه قال : تجلى منه مثل الخنصر ، فجعل الجبل دكا ، وخر
موسى صعقا ، فلم يزل صعقا ما شاء الله .
15080 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : (
وخر موسى صعقا ) ، قال : مغشيا عليه .
15081 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) ، قال : انقعر بعضه على بعض (
وخر موسى صعقا ) ، أي : ميتا .
15082 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
وخر موسى صعقا ) ، أي : ميتا .
[ ص: 98 ]
15083 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : ( دكا ) ، قال : دك بعضه بعضا .
15084 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
سويد قال ، أخبرنا
ابن المبارك قال : سمعت
سفيان يقول في قوله : (
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) ، قال : ساخ الجبل في الأرض ، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه .
15085 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين ، عن
الحجاج ، عن
أبي بكر الهذلي : (
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) ، انقعر فدخل تحت الأرض ، فلا يظهر إلى يوم القيامة .
15086 - حدثنا
أحمد بن سهيل الواسطي قال ، حدثنا
قرة بن عيسى قال ، حدثنا
الأعمش ، عن رجل ، عن
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811503لما تجلى ربه للجبل أشار بإصبعه فجعله دكا " وأرانا
أبو إسماعيل بإصبعه السبابة .
15087 - حدثني
المثنى قال ، حدثني
الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا
حماد ، عن
ثابت ، عن
أنس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811504أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) ، قال هكذا بإصبعه ، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل" . [ ص: 99 ]
15088 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
هدبة بن خالد قال ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
ثابت ، عن
أنس بن مالك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812202قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) ، قال : وضع الإبهام قريبا من طرف خنصره ، قال : فساخ الجبل فقال حميد لثابت : تقول هذا؟ قال : فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد ، وقال : يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقوله أنس ، وأنا أكتمه !
15089 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
إسحاق قال ، حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : (
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) ، وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور ، صار مثل دك من الدكات .
[ ص: 100 ]
15090 - حدثنا
الحرث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو سعد ، عن
مجاهد : (
ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه ) ، فإنه أكبر منك وأشد خلقا (
فلما تجلى ربه للجبل ) ، فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل يندك على أوله . فلما رأى
موسى ما يصنع الجبل ، خر صعقا .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( دكا ) . فقرأته عامة قراء
أهل المدينة والبصرة : ( دكا ) ، مقصورا بالتنوين بمعنى : "دك الله الجبل دكا" أي : فتته ، واعتبارا بقول الله : (
كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ) ، [ سورة الفجر : 21 ] وقوله : (
وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) ، [ سورة الحاقة : 14 ] واستشهد بعضهم على ذلك بقول
حميد :
يدك أركان الجبال هزمه تخطر بالبيض الرقاق بهمه
وقرأته عامة قرأة
الكوفيين : "جعله دكاء" ، بالمد وترك الجر والتنوين ، مثل
[ ص: 101 ]
"حمراء" و"سوداء" . وكان ممن يقرؤه كذلك ،
عكرمة ، ويقول فيه ما : -
15091 - حدثني به
أحمد بن يوسف قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074القاسم بن سلام قال ، حدثنا
عباد بن عباد ، عن
يزيد بن حازم ، عن
عكرمة قال : "دكاء من الدكاوات" . وقال : لما نظر الله تبارك وتعالى إلى الجبل صار صحراء ترابا .
واختلف أهل العربية في معناه إذا قرئ كذلك .
فقال بعض نحويي
البصرة : العرب تقول : "ناقة دكاء" ، ليس لها سنام . وقال : "الجبل" مذكر ، فلا يشبه أن يكون منه ، إلا أن يكون جعله : "مثل دكاء" ، حذف "مثل" ، وأجراه مجرى : (
واسأل القرية ) [ سورة يوسف : 82 ] .
وكان بعض نحويي
الكوفة يقول : معنى ذلك : جعل الجبل أرضا دكاء ، ثم حذفت "الأرض" ، وأقيمت "الدكاء" مقامها ، إذ أدت عنها .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ، قراءة من قرأ : (
جعله دكاء ) ، بالمد وترك الجر ، لدلالة الخبر الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحته . وذلك أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "فساخ الجبل" ، ولم يقل : "فتفتت" ولا "تحول ترابا" . ولا شك أنه إذا ساخ فذهب ، ظهر وجه الأرض ، فصار بمنزلة الناقة التي قد ذهب سنامها ، وصارت
[ ص: 102 ] دكاء بلا سنام . وأما إذا دك بعضه ، فإنما يكسر بعضه بعضا ويتفتت ولا يسوخ . وأما "الدكاء" فإنها خلف من "الأرض" ، فلذلك أنثت ، على ما قد بينت .
فمعنى الكلام إذا : فلما تجلى ربه للجبل ساخ ، فجعل مكانه أرضا دكاء . وقد بينا معنى "الصعق" بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .