القول في
تأويل قوله ( سأريكم دار الفاسقين ( 145 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره
لموسى ، إذ كتب في الألواح من كل شيء : خذها بجد في العمل بما فيها واجتهاد ، وأمر قومك يأخذوا بأحسن ما فيها ، وانههم عن تضييعها وتضييع العمل بما فيها والشرك بي ، فإن من أشرك بي منهم ومن غيرهم ، فإني سأريه في الآخرة عند مصيره إلي ، "دار الفاسقين" ، وهي نار الله التي أعدها لأعدائه .
وإنما قال : "
سأريكم دار الفاسقين " ، كما يقول القائل لمن يخاطبه : "سأريك غدا إلام يصير إليه حال من خالف أمري!" ، على وجه التهدد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره .
[ ص: 111 ]
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
15117 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
سأريكم دار الفاسقين " ، قال : مصيرهم في الآخرة .
15118 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
15119 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
مسلم قال ، حدثنا
مبارك ، عن
الحسن ، في قوله : "
سأريكم دار الفاسقين " ، قال : جهنم .
وقال آخرون : معنى ذلك : سأدخلكم أرض
الشام ، فأريكم منازل الكافرين الذين هم سكانها من الجبابرة والعمالقة .
ذكر من قال ذلك :
15120 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
سأريكم دار الفاسقين " ، منازلهم .
15121 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : "
دار الفاسقين " ، قال : منازلهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : سأريكم دار
قوم فرعون ، وهي
مصر .
ذكر من قال ذلك :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ ص: 112 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال
أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لأن الذي قبل قوله جل ثناؤه : "
سأريكم دار الفاسقين " ، أمر من الله
لموسى وقومه بالعمل بما في التوراة . فأولى الأمور بحكمة الله تعالى أن يختم ذلك بالوعيد على من ضيعه وفرط في العمل لله ، وحاد عن سبيله ، دون الخبر عما قد انقطع الخبر عنه ، أو عما لم يجر له ذكر .