[ ص: 140 ] القول في
تأويل قوله ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واختار
موسى من قومه سبعين رجلا للوقت والأجل الذي وعده الله أن يلقاه فيه بهم ، للتوبة مما كان من فعل سفهائهم في أمر العجل ، كما : -
15152 - حدثني
موسى بن هارون قال ، حدثنا
عمرو بن حماد قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قال : إن الله أمر
موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من
بني إسرائيل ، يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موعدا ، فاختار
موسى قومه سبعين رجلا على عينه ، ثم ذهب بهم ليعتذروا . فلما أتوا ذلك المكان قالوا : لن نؤمن لك يا
موسى حتى نرى الله جهرة ، فإنك قد كلمته ، فأرناه! فأخذتهم الصاعقة فماتوا ، فقام
موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب ماذا أقول
لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ، لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي !
15153 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : اختار
موسى من
بني إسرائيل سبعين رجلا الخير فالخير ، وقال : انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم ، واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا ، وطهروا ثيابكم! فخرج بهم إلى طور سيناء ، لميقات وقته له ربه . وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم . فقال السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به ، وخرجوا معه للقاء ربه ،
لموسى : اطلب لنا نسمع كلام ربنا! فقال : أفعل . فلما دنا
موسى من الجبل ، وقع عليه عمود الغمام ، حتى تغشى الجبل كله . ودنا
موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا! وكان
موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور
[ ص: 141 ] ساطع ، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه! فضرب دونه بالحجاب . ودنا القوم ، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلم
موسى ، يأمره وينهاه : افعل ، ولا تفعل! فلما فرغ الله من أمره ، انكشف عن
موسى الغمام . فأقبل إليهم ، فقالوا
لموسى : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ! فأخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فافتلتت أرواحهم ، فماتوا جميعا ، وقام
موسى عليه السلام يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ، ويقول : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي! قد سفهوا! أفتهلك من ورائي من
بني إسرائيل؟
15154 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس ، قوله : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرز بهم ليدعوا ربهم . فكان فيما دعوا الله قالوا : اللهم أعطنا ما لم تعط أحدا بعدنا! فكره الله ذلك من دعائهم ، فأخذتهم الرجفة . قال
موسى : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي!
15155 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
خالد بن حيان ، عن
جعفر ، عن
ميمون : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : لموعدهم الذي وعدهم .
15156 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : اختارهم لتمام الوعد .
وقال آخرون : إنما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم على
موسى قتل
هارون .
[ ص: 142 ]
ذكر من قال ذلك :
15157 - حدثنا
ابن بشار nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع قالا : حدثنا
يحيى بن يمان قال ، حدثنا
سفيان قال ، حدثني
أبو إسحاق ، عن
عمارة بن عبد السلولي ، عن
علي رضي الله عنه قال : انطلق
موسى وهارون وشبر وشبير ، فانطلقوا إلى سفح جبل ، فنام
هارون على سرير ، فتوفاه الله . فلما رجع
موسى إلى
بني إسرائيل قالوا له : أين
هارون؟ قال : توفاه الله . قالوا : أنت قتلته ، حسدتنا على خلقه ولينه أو كلمة نحوها قال : فاختاروا من شئتم! قال : فاختاروا سبعين رجلا . قال : فذلك قوله : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : فلما انتهوا إليه ، قالوا : يا
هارون ، من قتلك؟ قال : ما قتلني أحد ، ولكنني توفاني الله! قالوا : يا
موسى لن تعصى بعد اليوم! قال : فأخذتهم الرجفة . قال : فجعل
موسى يرجع يمينا وشمالا وقال يا : "
رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء " ، قال : فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم .
15158 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
محمد بن جعفر قال ، حدثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، عن رجل من
بني سلول ، أنه سمع
عليا رضي الله عنه يقول في هذه الآية : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : كان
هارون [ ص: 143 ] حسن الخلق محببا في
بني إسرائيل . قال : فلما مات ، دفنه
موسى . قال : فلما أتى
بني إسرائيل ، قالوا له : أين
هارون؟ قال : مات! فقالوا : قتلته! قال : فاختار منهم سبعين رجلا . قال : فلما أتوا القبر قال
موسى : أقتلت أو مت! قال مت! فأصعقوا ، فقال
موسى : رب ما أقول
لبني إسرائيل؟ إذا رجعت يقولون : أنت قتلتهم! قال : فأحيوا وجعلوا أنبياء .
15159 - حدثني
عبد الله بن الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا
الربيع بن حبيب قال : سمعت
أبا سعيد يعني الرقاشي وقرأ هذه الآية : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، فقال : كانوا أبناء ما عدا عشرين ، ولم يتجاوزوا الأربعين ، وذلك أن ابن عشرين قد ذهب جهله وصباه ، وأن من لم يتجاوز الأربعين لم يفقد من عقله شيئا .
وقال آخرون : إنما أخذت القوم الرجفة ، لتركهم فراق عبدة العجل ، لا لأنهم كانوا من عبدته .
ذكر من قال ذلك :
15160 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، فقرأ حتى بلغ : "السفهاء منا" ، ذكر لنا أن
ابن عباس كان يقول : إنما تناولتهم الرجفة ، لأنهم لم يزايلوا
[ ص: 144 ] القوم حين نصبوا العجل ، وقد كرهوا أن يجامعوهم عليه .
15161 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قوله : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، ممن لم يكن قال ذلك القول ، على أنهم لم يجامعوهم عليه ، فأخذتهم الرجفة من أجل أنهم لم يكونوا باينوا قومهم حين اتخذوا العجل . قال : فلما خرجوا ودعوا ، أماتهم الله ثم أحياهم . فلما أخذتهم الرجفة قال : "
رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " .
15162 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو سعد قال ، قال
مجاهد : "
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " و"الميقات" ، الموعد فلما أخذتهم الرجفة بعد أن خرج
موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم ، علم
موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصابه قومهم قال
أبو سعد فحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي قال : لم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ويأمروهم بالمعروف . قال : فأخذتهم الرجفة ، فماتوا ثم أحياهم الله .
15163 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
أبو أسامة ، عن
عون ، عن
سعيد بن حيان ، عن
ابن عباس : أن السبعين الذين اختارهم
موسى من قومه ، إنما أخذتهم الرجفة ، أنهم لم يرضوا ولم ينهوا عن العجل .
15164 - حدثنا
ابن بشار قال ، حدثنا
محمد بن جعفر قال ، حدثنا
عون قال ، حدثنا
سعيد بن حيان ، عن
ابن عباس ، بنحوه .
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : "
قومه سبعين رجلا لميقاتنا " . فقال بعض نحويي
البصرة : معناه : واختار
موسى من قومه سبعين رجلا فلما نزع "من" أعمل الفعل ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
[ ص: 145 ] ومنا الذي اختير الرجال سماحة وجودا ، إذا هب الرياح الزعازع
وكما قال الآخر :
أمرتك الخير ، فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب
[ ص: 146 ]
وقال
الراعي :
اخترتك الناس إذ غثت خلائقهم واعتل من كان يرجى عنده السول
وقال بعض نحويي
الكوفة : إنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذا طرحت "من" ، لأنه مأخوذ من قولك : "هؤلاء خير القوم" و"خير من القوم" ، فلما جازت الإضافة مكان "من" ولم يتغير المعنى ، استجازوا : أن يقولوا : "اخترتكم رجلا" ، و"اخترت منكم رجلا" ، وقد قال الشاعر :
فقلت له : اخترها قلوصا سمينة
[ ص: 147 ]
وقال الراجز :
تحت التي اختار له الله الشجر
بمعنى : اختارها له الله من الشجر .
قال
أبو جعفر : وهذا القول الثاني أولى عندي في ذلك بالصواب ، لدلالة "الاختيار" على طلب "من" التي بمعنى التبعيض ، ومن شأن العرب أن تحذف الشيء من حشو الكلام إذا عرف موضعه ، وكان فيما أظهرت دلالة على ما حذفت . فهذا من ذلك إن شاء الله .
[ ص: 148 ]
وقد بينا معنى "الرجفة" فيما مضى بشواهدها ، وأنها : ما رجف بالقوم وزعزعهم وحركهم ، أهلكهم بعد فأماتهم ، أو أصعقهم ، فسلب أفهامهم .
وقد ذكرنا الرواية في غير هذا الموضع وقول من قال : إنها كانت صاعقة أماتتهم .
15165 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
فلما أخذتهم الرجفة " ، ماتوا ثم أحياهم .
15166 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
سبعين رجلا لميقاتنا " ، اختارهم
موسى لتمام الموعد "
فلما أخذتهم الرجفة " ، ماتوا ثم أحياهم الله .
15167 - حدثني
عبد الكريم قال ، حدثنا
إبراهيم قال ، حدثنا
سفيان قال ، قال
أبو سعد ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : "
فلما أخذتهم الرجفة " ، قال : رجف بهم .