القول في
تأويل قوله ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ( 164 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر أيضا ، يا
محمد "إذ قالت أمة منهم" ، جماعة منهم لجماعة كانت تعظ المعتدين في السبت ، وتنهاهم عن معصية الله فيه "
لم تعظون قوما الله مهلكهم [ ص: 185 ] " ، في الدنيا بمعصيتهم إياه ، وخلافهم أمره ، واستحلالهم ما حرم عليهم "
أو معذبهم عذابا شديدا " ، في الآخرة ، قال الذين كانوا ينهونهم عن معصية الله مجيبيهم عن قولهم : عظتنا إياهم معذرة إلى ربكم ، نؤدي فرضه علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
ولعلهم يتقون " ، يقول : ولعلهم أن يتقوا الله فيخافوه ، فينيبوا إلى طاعته ، ويتوبوا من معصيتهم إياه ، وتعديهم على ما حرم عليهم من اعتدائهم في السبت ، كما : -
15264 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : "
قالوا معذرة إلى ربكم " ، لسخطنا أعمالهم .
"ولعلهم يتقون" ، : أي ينزعون عما هم عليه .
15265 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد ، في قوله : "
ولعلهم يتقون " قال : يتركون هذا العمل الذي هم عليه .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "
قالوا معذرة " . فقرأ ذلك عامة قرأة
الحجاز والكوفة والبصرة : ( معذرة ) بالرفع ، على ما وصفت من معناها .
وقرأ ذلك بعض
أهل الكوفة : ( معذرة ) نصبا ، بمعنى : إعذارا وعظناهم وفعلنا ذلك .
[ ص: 186 ]
واختلف أهل العلم في هذه الفرقة التي قالت : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " ، هل كانت من الناجية ، أم من الهالكة!
فقال بعضهم : كانت من الناجية ، لأنها كانت هي الناهية الفرقة الهالكة عن الاعتداء في السبت .
ذكر من قال ذلك :
15266 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : "
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " ، هي قرية على شاطئ البحر بين
مكة والمدينة ، يقال لها : "
أيلة " ، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعا في ساحل البحر . فإذا مضى يوم السبت ، لم يقدروا عليها . فمكثوا بذلك ما شاء الله ، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم ، فنهتهم طائفة ، وقالوا : تأخذونها ، وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم ! فلم يزدادوا إلا غيا وعتوا ، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم . فلما طال ذلك عليهم ، قالت طائفة من النهاة : تعلموا أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب ، لم تعظون قوما الله مهلكهم ، وكانوا أشد غضبا لله من الطائفة الأخرى ، فقالوا : "
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون " ، وكل قد كانوا ينهون ، فلما وقع عليهم غضب الله ، نجت الطائفتان اللتان قالوا : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " ، والذين قالوا : "
معذرة إلى ربكم " ، وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان ، فجعلهم قردة وخنازير .
15267 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي ، قال حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر [ ص: 187 ] إلى قوله : "
ويوم لا يسبتون لا تأتيهم " ، وذلك أن أهل قرية كانت حاضرة البحر ، كانت تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم . يقول : إذا كانوا يوم يسبتون تأتيهم شرعا يعني : من كل مكان ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ، وأنهم قالوا : لو أنا أخذنا من هذه الحيتان يوم تجيء ما يكفينا فيما سوى ذلك من الأيام! فوعظهم قوم مؤمنون ونهوهم . وقالت طائفة من المؤمنين : إن هؤلاء قوم قد هموا بأمر ليسوا بمنتهين دونه ، والله مخزيهم ومعذبهم عذابا شديدا . قال المؤمنون بعضهم لبعض : "
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون " ، إن كان هلاك ، فلعلنا ننجو ، وإما أن ينتهوا فيكون لنا أجرا . وقد كان الله جعل على
بني إسرائيل يوما يعبدونه ويتفرغون له فيه ، وهو يوم الاثنين . فتعدى الخبثاء من الاثنين إلى السبت ، وقالوا : هو يوم السبت! فنهاهم
موسى ، فاختلفوا فيه ، فجعل عليهم السبت ، ونهاهم أن يعملوا فيه وأن يعتدوا فيه ، وأن رجلا منهم ذهب ليحتطب ، فأخذه
موسى عليه السلام فسأله : هل أمرك بهذا أحد؟ فلم يجد أحدا أمره ، فرجمه أصحابه .
15268 - حدثني
موسى قال ، حدثنا
عمرو قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : قال بعض الذين نهوهم لبعض : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " ، يقول : لم تعظونهم ، وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم؟ فقال بعضهم : "
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون " .
15269 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
معاذ بن هانئ قال ، حدثنا
حماد ، عن
داود ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : "
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " ، قال : ما أدري أنجا الذين قالوا : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " أم لا! قال : فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا ، فكساني حلة .
[ ص: 188 ]
15270 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
حماد ، عن
داود ، عن
عكرمة قال : قرأ
ابن عباس هذه الآية ، فذكر نحوه إلا أنه قال في حديثه : فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا .
15271 - حدثني
سلام بن سالم الخزاعي قال ، حدثنا
يحيى بن سليم الطائفي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة قال : دخلت على
ابن عباس والمصحف في حجره ، وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ، جعلني الله فداءك؟ قال : فقرأ : "
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " ، إلى قوله : (
بما كانوا يفسقون " . ) قال
ابن عباس : لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت ، نخاف أن نكون مثلهم! فقلت : أما تسمع الله يقول : "
فلما عتوا عن ما نهوا عنه "؟ فسري عنه ، وكساني حلة .
15272 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، حدثني رجل ، عن
عكرمة قال : جئت
ابن عباس يوما وهو يبكي ، وإذا المصحف في حجره ، فأعظمت أن أدنو ، ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست ، فقلت : ما يبكيك يا
ابن عباس ، جعلني الله فداءك؟ فقال : هؤلاء الورقات! قال : وإذا هو في "سورة الأعراف" ، قال : تعرف
أيلة ! قلت : نعم! قال : فإنه كان حي من
يهود ، سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا ، بعد كد ومؤنة شديدة ، كانت تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأنها الماخض ، تنبطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم وأبنيتهم . فكانوا كذلك برهة من الدهر ، ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال :
[ ص: 189 ] إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ، فخذوها فيه ، وكلوها في غيره من الأيام ! فقالت ذلك طائفة منهم ، وقالت طائفة منهم : بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت . وكانوا كذلك ، حتى جاءت الجمعة المقبلة ، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها ، واعتزلت طائفة ذات اليمين ، وتنحت ، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت . وقال الأيمنون : ويلكم! الله ، الله ، ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة الله! وقال الأيسرون : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا "؟ قال الأيمنون : "
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون "! أي : ينتهون ، فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا ، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم . فمضوا على الخطيئة ، فقال الأيمنون : قد فعلتم ، يا أعداء الله! والله لا نبايتكم الليلة في مدينتكم ، والله ما نراكم تصبحون حتى يصيبكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده بالعذاب ! فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا ، فلم يجابوا ، فوضعوا سلما ، وأعلوا سور المدينة رجلا فالتفت إليهم فقال : أي عباد الله ، قردة والله تعاوى لها أذناب! قال : ففتحوا فدخلوا عليهم ، فعرفت القردة أنسابها من الإنس ، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة ، فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي ، فتقول لهم : ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها : نعم! ثم قرأ
ابن عباس : (
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون [ ص: 190 ] ) . قال : فأرى
اليهود الذين نهوا قد نجوا ، ولا أرى الآخرين ذكروا ، ونحن نرى أشياء ننكرها فلا نقول فيها! قال : قلت : إن ، جعلني الله فداك ، ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه ، وخالفوهم وقالوا : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم "؟ قال : فأمر بي فكسيت بردين غليظين .
15273 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، "
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " ، ذكر لنا أنه إذا كان يوم السبت أقبلت الحيتان ، حتى تتبطح على سواحلهم وأفنيتهم ، لما بلغها من أمر الله في الماء ، فإذا كان في غير يوم السبت ، بعدت في الماء حتى يطلبها طالبهم . فأتاهم الشيطان فقال : إنما حرم عليكم أكلها يوم السبت ، فاصطادوها يوم السبت وكلوها فيما بعد! . . . . . قوله : "
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون " ، صار القوم ثلاثة أصناف ، أما صنف فأمسكوا عن حرمة الله ونهوا عن معصية الله ، وأما صنف فأمسك عن حرمة الله هيبة لله ، وأما صنف فانتهك الحرمة ووقع في الخطيئة .
[ ص: 191 ]
15274 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس في قول الله : "
حاضرة البحر " ، قال : حرمت عليهم الحيتان يوم السبت ، وكانت تأتيهم يوم السبت شرعا ، بلاء ابتلوا به ، ولا تأتيهم في غيره إلا أن يطلبوها ، بلاء أيضا ، بما كانوا يفسقون . فأخذوها يوم السبت استحلالا ومعصية ، فقال الله لهم : "
كونوا قردة خاسئين " ، إلا طائفة منهم لم يعتدوا ونهوهم ، فقال بعضهم لبعض : "
لم تعظون قوما " .
15275 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : "
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم " حتى بلغ "
ولعلهم يتقون " ، لعلهم يتركون ما هم عليه . قال : كانوا قد بلوا بكف الحيتان عنهم ، وكانوا يسبتون في يوم السبت ولا يعملون فيه شيئا ، فإذا كان يوم السبت أتتهم الحيتان شرعا ، وإذا كان غير يوم السبت لم يأت حوت واحد . قال : وكانوا قوما قد قرموا بحب الحيتان ولقوا منه بلاء ، فأخذ رجل منهم حوتا فربط في ذنبه خيطا ، ثم ربطه إلى خشفة ، ثم تركه في الماء ، حتى إذا غربت الشمس من يوم الأحد ، اجتره بالخيط ثم شواه . فوجد جار له ريح حوت ، فقال : يا فلان ، إني أجد في بيتك ريح نون! فقال : لا! قال : فتطلع في تنوره فإذا هو فيه ، فأخبره حينئذ الخبر ، فقال : إني أرى الله سيعذبك . قال : فلما لم يره عجل عذابا ، فلما أتى السبت الآخر أخذ اثنين فربطهما ، ثم اطلع جار له عليه ، فلما رآه لم يعجل عذابا ، جعلوا يصيدونه ، فاطلع أهل القرية عليهم ، فنهاهم الذين ينهون عن
[ ص: 192 ] المنكر ، فكانوا فرقتين : فرقة تنهاهم وتكف ، وفرقة تنهاهم ولا تكف . فقال الذين نهوا وكفوا ، للذين ينهون ولا يكفون : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا "؟ فقال الآخرون : "
معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون " . فقال الله : (
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء ) . إلى قوله : (
بما كانوا يفسقون ) قال الله (
فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . وقال لهم أهل تلك القرية : عملتم بعمل سوء ، من كان يريد يعتزل ويتطهر فليعتزل هؤلاء ! قال : فاعتزل هؤلاء وهؤلاء في مدينتهم ، وضربوا بينهم سورا ، فجعلوا في ذلك السور أبوابا يخرج بعضهم إلى بعض . قال : فلما كان الليل طرقهم الله بعذاب ، فأصبح أولئك المؤمنون لا يرون منهم أحدا ، فدخلوا عليهم فإذا هم قردة ، الرجل وأزواجه وأولاده ، فجعلوا يدخلون على الرجل يعرفونه فيقولون : يا فلان ، ألم نحذرك سطوات الله؟ ألم نحذرك نقمات الله؟ ونحذرك ونحذرك؟ قال : فليس إلا بكاء! قال : وإنما عذب الله الذين ظلموا ، الذين أقاموا على ذلك . قال : وأما الذين نهوا ، فكلهم قد نهى ، ولكن بعضهم أفضل من بعض . فقرأ : (
أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) .
15276 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
المحاربي ، عن
داود ، عن
عكرمة قال : قرأ
ابن عباس هذه الآية : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " ، قال : لا أدري أنجا القوم أو هلكوا؟ فما زلت أبصره حتى عرف أنهم نجوا ، وكساني حلة .
[ ص: 193 ]
15277 - حدثني
يونس قال ، أخبرني
أشهب بن عبد العزيز ، عن
مالك قال : زعم
ابن رومان أن قوله : "
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم " ، قال : كانت تأتيهم يوم السبت ، فإذا كان المساء ذهبت ، فلا يرى منها شيء إلى السبت . فاتخذ لذلك رجل منهم خيطا ووتدا ، فربط حوتا منها في الماء يوم السبت ، حتى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه ، فوجد الناس ريحه ، فأتوه فسألوه عن ذلك ، فجحدهم ، فلم يزالوا به حتى قال لهم : فإنه جلد حوت وجدناه! فلما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك ولا أدري لعله قال : ربط حوتين فلما أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه ، فوجدوا ريحه ، فجاءوا فسألوه ، فقال لهم : لو شئتم صنعتم كما أصنع! فقالوا له : وما صنعت؟ فأخبرهم ، ففعلوا مثل ما فعل ، حتى كثر ذلك . وكانت لهم مدينة لها ربض ، فغلقوها ، فأصابهم من المسخ ما أصابهم . فغدا إليهم جيرانهم ممن كان يكون حولهم ، يطلبون منهم ما يطلب الناس ، فوجدوا المدينة مغلقة عليهم ، فنادوا فلم يجيبوهم ، فتسوروا عليهم ، فإذا هم قردة ، فجعل القرد يدنو يتمسح بمن كان يعرف قبل ذلك ، ويدنو منه ويتمسح به .
وقال آخرون : بل الفرقة التي قالت : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " ، كانت من الفرقة الهالكة .
ذكر من قال ذلك :
15278 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
ابن إدريس ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن حصين ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : "
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " إلى قوله : "شرعا" ، قال : قال
ابن عباس : ابتدعوا السبت فابتلوا فيه ، فحرمت عليهم فيه الحيتان ، فكانوا إذا كان يوم
[ ص: 194 ] السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر . فإذا انقضى السبت ، ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل ، فإذا جاء السبت جاءت شرعا . فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا كذلك ، ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا فخزمه بأنفه ، ثم ضرب له وتدا في الساحل ، وربطه وتركه في الماء . فلما كان الغد ، أخذه فشواه فأكله . ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون ، ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه ، حتى ظهر ذلك في الأسواق وفعل علانية . قال : فقالت طائفة للذين ينهون : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم " ، في سخطنا أعمالهم ، "
ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به " ، إلى قوله : "
قلنا لهم كونوا قردة خاسئين " ، قال
ابن عباس : كانوا أثلاثا : ثلث نهوا ، وثلث قالوا : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " ، وثلث أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم . فأصبح الذين نهوا عن السوء ذات يوم في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم ، فعلوا على دورهم ، فجعلوا يقولون : إن للناس لشأنا ، فانظروا ما شأنهم ! فاطلعوا في دورهم ، فإذا القوم قد مسخوا في ديارهم قردة ، يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد ، ويعرفون المرأة بعينها وإنها لقردة ، قال الله : (
فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) [ سورة البقرة : 66 ] .
15279 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
أبي بكر الهذلي ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : "
أنجينا الذين ينهون عن السوء " الآية ، قال
ابن عباس : نجا الناهون ، وهلك الفاعلون ، ولا أدري ما صنع بالساكتين!
[ ص: 195 ]
15280 - حدثنا
ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، عن
ابن عباس : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " ، قال : هم ثلاث فرق : الفرقة التي وعظت ، والموعوظة التي وعظت ، والله أعلم ما فعلت الفرقة الثالثة ، وهم الذين قالوا : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " .
وقال
الكلبي : هما فرقتان : الفرقة التي وعظت ، والتي قالت : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم " قال : هي الموعوظة .
15281 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
عمران بن عيينة ، عن
عطاء بن السائب ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : لأن أكون علمت من هؤلاء الذين قالوا : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " ، أحب إلي مما عدل به!
15282 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
جرير ، عن
عطاء قال ، قال
ابن عباس : "
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم " ، قال : أسمع الله يقول : "
أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس " ، فليت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا : "
لم تعظون قوما الله مهلكهم "؟
15283 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
ماهان الحنفي أبي صالح في قوله : "
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم " ، قال : كانوا في المدينة التي على ساحل البحر ، وكانت الأيام ستة ، الأحد إلى الجمعة . فوضعت
اليهود يوم السبت ، وسبتوه على أنفسهم ، فسبته الله عليهم ، ولم يكن السبت قبل ذلك ، فوكده الله عليهم ، وابتلاهم فيه بالحيتان ، فجعلت تشرع يوم السبت ، فيتقون أن يصيبوا منها ، حتى قال رجل منهم : والله ما السبت بيوم وكده الله علينا ، ونحن وكدناه على أنفسنا ، فلو تناولت من هذا السمك ! فتناول حوتا من الحيتان ، فسمع بذلك جاره ، فخاف العقوبة ، فهرب من منزله . فلما مكث ما شاء الله ولم تصبه عقوبة ، تناول غيره أيضا في يوم
[ ص: 196 ] السبت . فلما لم تصبهم العقوبة ، كثر من تناول في يوم السبت ، واتخذوا يوم السبت ، وليلة السبت عيدا يشربون فيه الخمور ، ويلعبون فيه بالمعازف . فقال لهم خيارهم وصلحاؤهم : ويحكم ، انتهوا عما تفعلون ، إن الله مهلككم أو معذبكم عذابا شديدا ، أفلا تعقلون؟ ولا تعدوا في السبت! فأبوا ، فقال خيارهم : نضرب بيننا وبينهم حائطا . ففعلوا ، وكان إذا كان ليلة السبت تأذوا بما يسمعون من أصواتهم وأصوات المعازف ، حتى إذا كانت الليلة التي مسخوا فيها ، سكنت أصواتهم أول الليل ، فقال خيارهم : ما شأن قومكم قد سكنت أصواتهم الليلة؟ فقال بعضهم : لعل الخمر غلبتهم فناموا! فلما أصبحوا ، لم يسمعوا لهم حسا ، فقال بعضهم لبعض : ما لنا لا نسمع من قومكم حسا؟ فقالوا لرجل : اصعد الحائط وانظر ما شأنهم . فصعد الحائط ، فرآهم يموج بعضهم في بعض ، قد مسخوا قردة ، فقال لقومه : تعالوا فانظروا إلى قومكم ما لقوا! فصعدوا ، فجعلوا ينظرون إلى الرجل فيتوسمون فيه ، فيقولون : أي فلان ، أنت فلان؟ فيومئ بيده إلى صدره أن نعم ، بما كسبت يداي .
15284 - حدثني
يعقوب nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع قالا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أيوب قال ، تلا
الحسن ذات يوم : "
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون " ، فقال : حوت حرمه الله عليهم في يوم ، وأحله لهم فيما سوى ذلك ، فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله عليهم كأنه المخاض .
[ ص: 197 ] لا يمتنع من أحد . وقلما رأيت أحدا يكثر الاهتمام بالذنب إلا واقعه ، فجعلوا يهتمون ويمسكون ، حتى أخذوه ، فأكلوا أوخم أكلة أكلها قوم قط ، أبقاه خزيا في الدنيا ، وأشده عقوبة في الآخرة! وايم الله ، [ ما حوت أخذه قوم فأكلوه ، أعظم عند الله من قتل رجل مؤمن ] ! وللمؤمن أعظم حرمة عند الله من حوت ، ولكن الله جعل موعد قوم الساعة (
والساعة أدهى وأمر ) ، [ سورة القمر : 46 ] .
15285 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
سفيان ، عن
أبي موسى ، عن
الحسن قال : جاءتهم الحيتان تشرع في حياضهم كأنها المخاض ، فأكلوا والله أوخم أكلة أكلها قوم قط ، أسوأه عقوبة في الدنيا ، وأشده عذابا في الآخرة!
وقال
[ ص: 198 ] الحسن : وقتل المؤمن والله أعظم من أكل الحيتان!
15286 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
جرير ، عن
عطاء قال : كنت جالسا في المسجد ، فإذا شيخ قد جاء وجلس الناس إليه ، فقالوا : هذا من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ! قال : قال
ابن مسعود : "
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " الآية ، قال : لما حرم عليهم السبت ، كانت الحيتان تأتي يوم السبت ، وتأمن فتجيء ، فلا يستطيعون أن يمسوها . وكان إذا ذهب السبت ذهبت ، فكانوا يتصيدون كما يتصيد الناس . فلما أرادوا أن يعدوا في السبت ، اصطادوا ، فنهاهم قوم من صالحيهم ، فأبوا ، وكثرهم الفجار ، فأراد الفجار قتالهم ، فكان فيهم من لا يشتهون قتاله ، أبو أحدهم وأخوه أو قريبه . فلما نهوهم وأبوا ، قال الصالحون : إذا نتهم! وإنا نجعل بيننا وبينهم حائطا! ففعلوا ، فلما فقدوا أصواتهم قالوا : لو نظرتم إلى إخوانكم ما فعلوا ! فنظروا ، فإذا هم قد مسخوا قردة ، يعرفون الكبير بكبره ، والصغير بصغره ، فجعلوا يبكون إليهم . وكان هذا بعد
موسى صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 199 ]