القول في تأويل قوله (
ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ( 169 ) )
وقال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "ألم يؤخذ" ، على هؤلاء المرتشين في أحكامهم ، القائلين : "سيغفر الله لنا فعلنا هذا" ، إذا عوتبوا على ذلك "
ميثاق الكتاب " ، وهو أخذ الله العهود على
بني إسرائيل ، بإقامة التوراة ، والعمل بما
[ ص: 215 ] فيها . فقال جل ثناؤه لهؤلاء الذين قص قصتهم في هذه الآية ، موبخا على خلافهم أمره ، ونقضهم عهده وميثاقه : ألم يأخذ الله عليهم ميثاق كتابه ، ألا يقولوا على الله إلا الحق ، ولا يضيفوا إليه إلا ما أنزله على رسوله
موسى صلى الله عليه وسلم في التوراة ، وأن لا يكذبوا عليه؟ كما : -
15327 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، قال
ابن عباس : "
ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق " ، قال : فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها .
وأما قوله : "
ودرسوا ما فيه " ، فإنه معطوف على قوله : "
ورثوا الكتاب " ، ومعناه : "
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب " ، "
ودرسوا ما فيه " ويعني بقوله : "
ودرسوا ما فيه " ، قرأوا ما فيه ، يقول : ورثوا الكتاب فعلموا ما فيه ودرسوه ، فضيعوه وتركوا العمل به ، وخالفوا عهد الله إليهم في ذلك ، كما : -
15328 - حدثني
يونس قال ، أخبرنا
ابن وهب قال ، قال
ابن زيد في قوله : "
ودرسوا ما فيه " ، قال : علموه ، علموا ما في الكتاب الذي ذكر الله ، وقرأ : (
بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) ، [ سورة آل عمران : 79 ] .
قال
أبو جعفر : "
والدار الآخرة خير للذين يتقون " ، يقول جل ثناؤه : وما في الدار الآخرة ، وهو ما في المعاد عند الله ، مما أعد لأوليائه ، والعاملين بما أنزل في كتابه ، المحافظين على حدوده "
خير للذين يتقون الله" ، ويخافون
[ ص: 216 ] عقابه ، فيراقبونه في أمره ونهيه ، ويطيعونه في ذلك كله في دنياهم "
أفلا يعقلون " ، يقول : أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون عرض هذا الأدنى على أحكامهم ، ويقولون : "
سيغفر لنا " ، أن ما عند الله في الدار الآخرة للمتقين العادلين بين الناس في أحكامهم ، خير من هذا العرض القليل الذي يستعجلونه في الدنيا على خلاف أمر الله ، والقضاء بين الناس بالجور؟