فإنه يعني به جل ذكره : ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة ، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها ، عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده .
ذكر من قال عني بقوله : ( من آمن بالله ) ، مؤمنو أهل الكتاب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فكان إيمان اليهود : أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى ، حتى جاء عيسى . فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى - فلم يدعها ولم يتبع عيسى - كان هالكا . وإيمان النصارى : أنه من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه ، حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل - كان هالكا .
1113 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) الآية . قال [ ص: 155 ] سأل سلمان الفارسي النبي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى من أعمالهم ، قال : لم يموتوا على الإسلام . قال سلمان : فأظلمت علي الأرض ، وذكرت اجتهادهم ، فنزلت هذه الآية : " إن الذين آمنوا والذين هادوا " . فدعا سلمان فقال : نزلت هذه الآية في أصحابك " . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " من مات على دين عيسى ومات على الإسلام قبل أن يسمع بي ، فهو على خير ; ومن سمع بي اليوم ولم يؤمن بي فقد هلك " .
وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا - من اليهود والنصارى والصابئين - على عمله ، في الآخرة الجنة ، ثم نسخ ذلك بقوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) .
فتأويل الآية إذا على ما ذكرنا عن مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : إن الذين آمنوا من هذه الأمة ، والذين هادوا ، والنصارى ، والصابئين - من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بالله واليوم الآخر - فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
والذي قلنا من التأويل الأول ، أشبه بظاهر التنزيل ، لأن الله جل ثناؤه لم [ ص: 156 ] يخصص - بالأجر على العمل الصالح مع الإيمان - بعض خلقه دون بعض منهم ، والخبر بقوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر ) ، عن جميع ما ذكر في أول الآية .