القول في
تأويل قوله ( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فمثل هذا الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ، مثل الكلب الذي يلهث ، طردته أو تركته .
ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله جعل الله مثله كمثل الكلب .
فقال بعضهم : مثله به في اللهث ، لتركه العمل بكتاب الله وآياته التي آتاها إياه ، وإعراضه عن مواعظ الله التي فيها إعراض من لم يؤته الله شيئا من ذلك . فقال جل ثناؤه فيه : إذ كان سواء أمره ، وعظ بآيات الله التي آتاها إياه ، أو لم يوعظ ، في أنه لا يتعظ بها ، ولا يترك الكفر به ، فمثله مثل الكلب الذي سواء أمره في لهثه ، طرد أو لم يطرد ، إذ كان لا يترك اللهث بحال .
[ ص: 272 ]
ذكر من قال ذلك :
15435 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث ) قال : تطرده ، هو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به .
15436 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال
مجاهد : (
فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث ) قال : تطرده بدابتك ورجلك "يلهث" ، قال : مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : الكلب منقطع الفؤاد ، لا فؤاد له ، إن حملت عليه يلهث ، أو تتركه يلهث . قال : مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له ، إنما فؤاده منقطع .
15437 - حدثني
ابن عبد الأعلى قال : حدثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن بعضهم : (
فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) ، فذلك هو الكافر ، هو ضال إن وعظته وإن لم تعظه .
15438 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
فمثله كمثل الكلب ) إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها ، وإن ترك لم يهتد لخير ، كالكلب إن كان رابضا لهث وإن طرد لهث .
15439 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : آتاه الله آياته فتركها ،
[ ص: 273 ] فجعل الله مثله كمثل الكلب : "
إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " .
15440 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان ) ، الآية ، هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى ، فأبى أن يقبله وتركه . قال : وكان
الحسن يقول : هو المنافق "
ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " قال : هذا مثل الكافر ميت الفؤاد .
وقال آخرون : إنما مثله جل ثناؤه بالكلب ، لأنه كان يلهث كما يلهث الكلب .
ذكر من قال ذلك :
15441 - حدثنا
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) ، وكان
بلعم يلهث كما يلهث الكلب . وأما "تحمل عليه" : فتشد عليه .
قال :
أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، تأويل من قال : إنما هو مثل لتركه العمل بآيات الله التي آتاها إياه ، وأن معناه : سواء وعظ أو لم يوعظ ، في أنه لا يترك ما هو عليه من خلافه أمر ربه ، كما سواء حمل على الكلب وطرد أو ترك فلم يطرد ، في أنه لا يدع اللهث في كلتا حالتيه .
وإنما قلنا : ذلك أولى القولين بالصواب ، لدلالة قوله تعالى : (
ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ) ، فجعل ذلك مثل المكذبين بآياته . وقد علمنا أن اللهاث ليس في خلقة كل مكذب كتب عليه ترك الإنابة من تكذيبه بآيات الله ، وأن ذلك إنما هو مثل ضربه الله لهم ، فكان معلوما بذلك أنه للذي وصف الله صفته في هذه الآية ، كما هو لسائر المكذبين بآيات الله ، مثل .
[ ص: 274 ]