القول في
تأويل قوله ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ( 180 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره (
ولله الأسماء الحسنى ) ، وهي كما قال
ابن عباس : -
15451 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال حدثني عمي ، قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، ومن أسمائه : "العزيز الجبار" ، وكل أسمائه حسن .
[ ص: 282 ]
15452 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان ، عن
ابن سيرين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810546إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها كلها دخل الجنة " .
وأما قوله : (
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ، فإنه يعني به المشركين .
وكان إلحادهم في أسماء الله ، أنهم عدلوا بها عما هي عليه ، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم ، وزادوا فيها ونقصوا منها ، فسموا بعضها "اللات" اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو "الله" ، وسموا بعضها "العزى" اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو "العزيز" .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15453 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ، قال : إلحاد الملحدين : أن دعوا "اللات" في أسماء الله .
[ ص: 283 ]
15454 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : (
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) قال : اشتقوا "العزى" من "العزيز" ، واشتقوا "اللات" من "الله" .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( يلحدون ) .
فقال بعضهم : يكذبون .
ذكر من قال ذلك :
15455 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله قال : حدثني
معاوية ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) قال : الإلحاد : التكذيب .
وقال آخرون : معنى ذلك : يشركون .
ذكر من قال ذلك .
15456 - حدثني
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
أبو ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : ( يلحدون ) قال : يشركون .
وأصل "الإلحاد" في كلام العرب : العدول عن القصد ، والجور عنه ، والإعراض . ثم يستعمل في كل معوج غير مستقيم ، ولذلك قيل للحد القبر : "لحد" ، لأنه في ناحية منه ، وليس في وسطه . يقال منه : "ألحد فلان يلحد إلحادا" ، و"لحد يلحد لحدا ولحودا" . وقد ذكر عن
الكسائي أنه كان يفرق بين "الإلحاد" و"اللحد" ، فيقول
[ ص: 284 ] في "الإلحاد" : إنه العدول عن القصد ، وفي "اللحد" إنه الركون إلى الشيء . وكان يقرأ جميع ما في القرآن : ( يلحدون ) بضم الياء وكسر الحاء ، إلا التي في النحل ، فإنه كان يقرأها : "يلحدون" بفتح الياء والحاء ، ويزعم أنه بمعنى الركون .
وأما سائر أهل المعرفة بكلام العرب ، فيرون أن معناهما واحد ، وأنهما لغتان جاءتا في حرف واحد بمعنى واحد .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قراء
أهل المدينة وبعض
البصريين والكوفيين : ( يلحدون ) ، بضم الياء وكسر الحاء من "ألحد يلحد" في جميع القرآن .
وقرأ ذلك عامة قراء
أهل الكوفة : "يلحدون" بفتح الياء والحاء من "لحد يلحد" .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، أنهما لغتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك . غير أني أختار القراءة بضم الياء على لغة من قال : "ألحد" ، لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما .
وكان
ابن زيد يقول في قوله : (
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ، إنه منسوخ .
15457 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) قال : هؤلاء أهل الكفر ، وقد نسخ ، نسخه القتال .
[ ص: 285 ]
ولا معنى لما قال
ابن زيد في ذلك من أنه منسوخ ، لأن قوله : (
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ، ليس بأمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بترك المشركين أن يقولوا ذلك ، حتى يأذن له في قتالهم ، وإنما هو
تهديد من الله للملحدين في أسمائه ، ووعيد منه لهم ، كما قال في موضع آخر : (
ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) ، [ سورة الحجر : 3 ] الآية ، وكقوله : (
ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ) ، [ سورة العنكبوت : 66 ] وهو كلام خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتهديد ، ومعناه : أن مهل الذين يلحدون ، يا
محمد ، في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه ، فسوف يجزون ، إذا جاءهم أجل الله الذي أجلهم إليه ، جزاء أعمالهم التي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله ، والإلحاد في أسمائه ، وتكذيب رسوله .