القول في
تأويل قوله ( يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 187 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يسألك هؤلاء القوم عن الساعة ، كأنك حفي عنها .
[ واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (
حفي عنها ) ] .
فقال بعضهم : يسألونك عنها كأنك حفي بهم . وقالوا : معنى قوله : "عنها" التقديم ، وإن كان مؤخرا .
[ ص: 298 ]
ذكر من قال ذلك :
15480 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : كأن بينك وبينهم مودة ، كأنك صديق لهم . قال
ابن عباس : لما سأل الناس
محمدا صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن
محمدا حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده ، استأثر بعلمها ، فلم يطلع عليها ملكا ولا رسولا .
15481 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر قال : قال
قتادة : قالت
قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسر إلينا متى الساعة ! فقال الله : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) .
15482 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) ، : أي حفي بهم . قال : قالت
قريش : يا
محمد ، أسر إلينا علم الساعة ، لما بيننا وبينك من القرابة لقرابتنا منك .
15483 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو خالد الأحمر ، وهانئ بن سعيد ، عن
حجاج ، عن
خصيف ، عن
مجاهد وعكرمة : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : حفي بهم حين يسألونك .
15484 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : قريب منهم ، وتحفى عليهم . قال : وقال
أبو مالك : كأنك حفي بهم . قال : قريب منهم ، وتحفى عليهم . قال : وقال
أبو مالك : كأنك حفي بهم ، فتحدثهم .
15485 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال :
[ ص: 299 ] حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) ، كأنك صديق لهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : كأنك قد استحفيت المسألة عنها فعلمتها .
ذكر من قال ذلك :
15486 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
كأنك حفي عنها ) ، استحفيت عنها السؤال حتى علمتها .
15487 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : حدثنا
أبو سعد ، عن
مجاهد في قوله : (
كأنك حفي عنها ) قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها .
15488 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
المحاربي ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : كأنك عالم بها .
15489 - . . . قال : حدثنا
حامد بن نوح ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) قال : كأنك تعلمها .
15490 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثني
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك ، قوله : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : يسألونك عن الساعة ، كأنك عندك علما منها (
قل إنما علمها عند ربي ) .
15491 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن بعضهم : (
كأنك حفي عنها ) ، : كأنك عالم بها .
15492 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
كأنك حفي عنها ) قال : كأنك عالم بها . وقال : أخفى علمها على
[ ص: 300 ] خلقه . وقرأ : (
إن الله عنده علم الساعة ) ، [ سورة لقمان : 34 ] حتى ختم السورة .
15493 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس ، قوله : (
يسألونك كأنك حفي عنها ) ، يقول : كأنك يعجبك سؤالهم إياك (
قل إنما علمها عند الله ) .
وقوله : (
كأنك حفي عنها ) ، يقول : لطيف بها .
فوجه هؤلاء تأويل قوله : (
كأنك حفي عنها ) ، إلى حفي بها ، وقالوا : تقول العرب : "تحفيت له في المسألة" ، و"تحفيت عنه" . قالوا : ولذلك قيل : "أتينا فلانا نسأل به" ، بمعنى نسأل عنه .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : كأنك حفي بالمسألة عنها فتعلمها .
فإن قال قائل : وكيف قيل : (
حفي عنها ) ، ولم يقل : "حفي بها" ، إن كان ذلك تأويل الكلام؟
قيل : إن ذلك قيل كذلك ، لأن الحفاوة إنما تكون في المسألة ، وهي البشاشة للمسئول عند المسألة ، والإكثار من السؤال عنه ، والسؤال يوصل ب "عن" مرة ، وب "الباء" مرة . فيقال : "سألت عنه" ، و"سألت به" . فلما وضع قوله : "حفي" موضع السؤال ، وصل بأغلب الحرفين اللذين يوصل بهما "السؤال" ، وهو "عن" ، كما قال الشاعر :
[ ص: 301 ] سؤال حفي عن أخيه كأنه بذكرته وسنان أو متواسن
وأما قوله : (
قل إنما علمها عند الله ) ، فإن معناه : قل ، يا
محمد ، لسائليك عن
وقت الساعة وحين مجيئها : لا علم لي بذلك ، ولا علم به إلا [ عند ] الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض (
ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، يقول : ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله ، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه .