القول في تأويل قوله (
هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ( 189 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (
هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ، يعني بالنفس الواحدة :
آدم ، كما : -
15497 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن رجل ، عن
مجاهد : (
خلقكم من نفس واحدة ) قال :
آدم عليه السلام .
[ ص: 304 ]
15498 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ، من
آدم .
ويعني بقوله : (
وجعل منها زوجها ) ، : وجعل من النفس الواحدة ، وهو
آدم ، زوجها
حواء ، كما : -
15499 - حدثني
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة . ( وحمل منها زوجها ) ، :
حواء ، فجعلت من ضلع من أضلاعه ، ليسكن إليها .
ويعني بقوله : (
ليسكن إليها ) ، : ليأوي إليها لقضاء حاجته ولذته .
ويعني بقوله : (
فلما تغشاها ) ، فلما تدثرها لقضاء حاجته منها ، فقضى حاجته منها (
حملت حملا خفيفا ) ، وفي الكلام محذوف ، ترك ذكره استغناء بما ظهر عما حذف ، وذلك قوله : (
فلما تغشاها حملت ) ، وإنما الكلام : فلما تغشاها فقضى حاجته منها حملت .
وقوله : (
حملت حملا خفيفا ) ، يعني ب " خفة الحمل " : الماء الذي حملته حواء في رحمها من
آدم ، أنه كان حملا خفيفا ، وكذلك هو حمل المرأة ماء الرجل خفيف عليها .
وأما قوله : (
فمرت به ) ، فإنه يعني : استمرت بالماء : قامت به وقعدت ، وأتمت الحمل ، كما : -
15500 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
أبو أسامة ، عن
أبي عمير ، عن
أيوب قال : سألت
الحسن عن قوله : (
حملت حملا خفيفا فمرت به ) قال :
[ ص: 305 ] لو كنت امرءا عربيا لعرفت ما هي ؟ إنما هي : فاستمرت به .
15501 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ) ، استبان حملها .
15502 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
فمرت به ) قال : استمر حملها .
15503 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قوله : (
حملت حملا خفيفا ) قال : هي النطفة وقوله : (
فمرت به ) ، يقول : استمرت به .
وقال آخرون : معنى ذلك : فشكت فيه .
ذكر من قال ذلك :
15504 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
فمرت به ) قال : فشكت ، أحملت أم لا ؟
ويعني بقوله : (
فلما أثقلت ) ، فلما صار ما في بطنها من الحمل الذي كان خفيفا ، ثقيلا ودنت ولادتها .
يقال منه : " أثقلت فلانة " إذا صارت ذات ثقل بحملها ، كما يقال : " أتمر فلان " : إذا صار ذا تمر . كما : -
15505 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
فلما أثقلت ) ، : كبر الولد في بطنها .
[ ص: 306 ]
قال
أبو جعفر : (
دعوا الله ربهما ) ، يقول : نادى
آدم وحواء ربهما وقالا يا ربنا ، "
لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين " .
واختلف أهل التأويل في
معنى " الصلاح " الذي أقسم آدم وحواء عليهما السلام أنه إن آتاهما صالحا في حمل حواء : لنكونن من الشاكرين .
فقال بعضهم : ذلك هو أن يكون الحمل غلاما .
ذكر من قال ذلك :
15506 - حدثني
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر قال : قال
الحسن ، في قوله : (
لئن آتيتنا صالحا ) قال : غلاما .
وقال آخرون : بل هو أن يكون المولود بشرا سويا مثلهما ، ولا يكون بهيمة .
ذكر من قال ذلك :
15507 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
زيد بن جبير الجشمي ، عن
أبي البختري ، في قوله : (
لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ) قال : أشفقا أن يكون شيئا دون الإنسان .
15508 - . . . قال : حدثنا
يحيى بن يمان ، عن
سفيان ، عن
زيد بن جبير ، عن
أبي البختري قال : أشفقا أن لا يكون إنسانا .
15509 - . . . قال : حدثنا
محمد بن عبيد ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح قال : لما حملت امرأة
آدم فأثقلت ، كانا يشفقان أن يكون بهيمة ، فدعوا ربهما : (
لئن آتيتنا صالحا ) ، الآية .
15510 - . . . قال : حدثنا
جابر بن نوح ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس قال : أشفقا أن يكون بهيمة .
[ ص: 307 ]
15511 - حدثني
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
سعيد بن جبير : لما هبط
آدم وحواء ، ألقيت الشهوة في نفسه فأصابها ، فليس إلا أن أصابها حملت ، فليس إلا أن حملت تحرك في بطنها ولدها ، قالت : ما هذا ؟ فجاءها إبليس ، فقال [ لها : إنك حملت فتلدين ! قالت : ما ألد ؟ قال ] : أترين في الأرض إلا ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة ، أو بعض ذلك ! [ ويخرج من أنفك ، أو من أذنك ، أو من عينك ] . قالت : والله ما مني شيء إلا وهو يضيق عن ذلك ! قال : فأطيعيني وسميه " عبد الحارث " [ وكان اسمه في الملائكة الحارث ] تلدي شبهكما مثلكما ! قال : فذكرت ذلك
لآدم عليه السلام ، فقال : هو صاحبنا الذي قد علمت ! فمات ، ثم حملت بآخر ، فجاءها فقال : أطيعيني وسميه عبد الحارث - وكان اسمه في الملائكة الحارث وإلا ولدت ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة ، أو قتلته ، فإني أنا قتلت الأول ! قال : فذكرت ذلك
لآدم ، فكأنه لم يكرهه ، فسمته " عبد الحارث " ، فذلك قوله : (
لئن آتيتنا صالحا ) ، يقول : شبهنا مثلنا (
فلما آتاهما صالحا ) قال : شبههما مثلهما .
15512 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
فلما أثقلت ) ، كبر الولد في بطنها ، جاءها إبليس ، فخوفها وقال لها :
[ ص: 308 ] ما يدريك ما في بطنك ؟ لعله كلب ، أو خنزير ، أو حمار ! وما يدريك من أين يخرج ؟ أمن دبرك فيقتلك ، أو من قبلك ، أو ينشق بطنك فيقتلك ؟ فذلك حين (
دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا ) ، يقول : مثلنا (
لنكونن من الشاكرين ) .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن
آدم وحواء أنهما دعوا الله ربهما بحمل
حواء ، وأقسما لئن أعطاهما ما في بطن
حواء ، صالحا ليكونان لله من الشاكرين .
و" الصلاح " قد يشمل معاني كثيرة : منها " الصلاح " في استواء الخلق ، ومنها " الصلاح " في الدين ، و" الصلاح " في العقل والتدبير .
وإذ كان ذلك كذلك ، ولا خبر عن الرسول يوجب الحجة بأن ذلك على بعض معاني " الصلاح " دون بعض ، ولا فيه من العقل دليل ، وجب أن يعم كما عمه الله ، فيقال : إنهما قالا (
لئن آتيتنا صالحا ) بجميع معاني " الصلاح " .
وأما معنى قوله : (
لنكونن من الشاكرين ) ، فإنه : لنكونن ممن يشكرك على ما وهبت له من الولد صالحا .