القول في
تأويل قوله ( فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ( 190 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما رزقهما الله ولدا صالحا كما سألا جعلا له شركاء فيما آتاهما ورزقهما .
ثم اختلف أهل التأويل في "
الشركاء " التي جعلاها فيما أوتيا من المولود .
فقال بعضهم : جعلا له شركاء في الاسم .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 309 ]
15513 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الصمد قال ، حدثنا
عمر بن إبراهيم ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، عن
سمرة بن جندب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811507كانت حواء لا يعيش لها ولد ، فنذرت لئن عاش لها ولد لتسمينه " عبد الحارث " ، فعاش لها ولد ، فسمته " عبد الحارث " ، وإنما كان ذلك عن وحي الشيطان .
[ ص: 310 ]
15514 - حدثني
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
معتمر ، عن أبيه قال : حدثنا
أبو العلاء ، عن
سمرة بن جندب : أنه حدث أن
آدم عليه السلام سمى ابنه "
عبد الحارث " .
15515 - . . . . قال : حدثنا
المعتمر ، عن أبيه قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
سليمان التيمي ، عن
أبي العلاء بن الشخير ، عن
سمرة بن جندب قال : سمى
آدم ابنه : "
عبد الحارث " .
15515 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : كانت
حواء تلد
لآدم ، فتعبدهم لله ، وتسميه " عبيد الله " و" عبد الله " ونحو ذلك ، فيصيبهم الموت ، فأتاها إبليس
وآدم ، فقال : إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش ! فولدت له رجلا فسماه "
عبد الحارث " ، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : (
هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ، إلى قوله : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ، إلى آخر الآية .
15517 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي
[ ص: 311 ] قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله في
آدم : (
هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ، إلى قوله : ( فمرت به ) ، فشكت : أحبلت أم لا (
فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا ) الآية ، فأتاهما الشيطان فقال : هل تدريان ما يولد لكما ؟ أم هل تدريان ما يكون ؟ أبهيمة يكون أم لا ؟ وزين لهما الباطل ، إنه غوي مبين . وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا ، فقال لهما الشيطان : إنكما إن لم تسمياه بي ، لم يخرج سويا ، ومات كما مات الأولان ! فسميا ولدهما "
عبد الحارث " ، فذلك قوله : (
فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ، الآية .
15518 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : لما ولد له أول ولد ، أتاه إبليس فقال : إني سأنصح لك في شأن ولدك هذا ، تسميه "
عبد الحارث " ! فقال
آدم : أعوذ بالله من طاعتك ! قال
ابن عباس : وكان اسمه في السماء " الحارث " قال
آدم : أعوذ بالله من طاعتك ، إني أطعتك في أكل الشجرة ، فأخرجتني من الجنة ، فلن أطيعك . فمات ولده ، ثم ولد له بعد ذلك ولد آخر ، فقال : أطعني وإلا مات كما مات الأول ! فعصاه ، فمات ، فقال : لا أزال أقتلهم حتى تسميه "
عبد الحارث " . فلم يزل به حتى سماه "
عبد الحارث " ، فذلك قوله : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ، أشركه في طاعته في غير عبادة ، ولم يشرك بالله ، ولكن أطاعه .
15519 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
هارون قال : أخبرنا
الزبير بن الخريت ، عن
عكرمة قال : ما أشرك
آدم ولا
حواء ، وكان لا يعيش لهما ولد ، فأتاهما الشيطان فقال : إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه "
عبد الحارث " ! فهو قوله : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما ) .
[ ص: 312 ]
15520 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
فلما تغشاها حملت حملا خفيفا ) قال : كان
آدم عليه السلام لا يولد له ولد إلا مات ، فجاءه الشيطان ، فقال : إن سرك أن يعيش ولدك هذا ، فسمه "
عبد الحارث " ! ففعل قال : فأشركا في الاسم ، ولم يشركا في العبادة .
15521 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ، ذكر لنا أنه كان لا يعيش لهما ولد ، فأتاهما الشيطان ، فقال لهما : سمياه "
عبد الحارث " ! وكان من وحي الشيطان وأمره ، وكان شركا في طاعة ، ولم يكن شركا في عبادة .
15522 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ) قال : كان لا يعيش
لآدم وامرأته ولد . فقال لهما الشيطان : إذا ولد لكما ولد ، فسمياه "
عبد الحارث " ! ففعلا وأطاعاه ، فذلك قول الله : (
فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء ) ، الآية .
[ ص: 313 ]
15523 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
ابن فضيل ، عن
سالم بن أبي حفصة ، عن
سعيد بن جبير ، قوله : (
أثقلت دعوا الله ربهما ) ، . . إلى قوله تعالى : (
فتعالى الله عما يشركون ) قال : لما حملت
حواء في أول ولد ولدته حين أثقلت ، أتاها إبليس قبل أن تلد ، فقال : يا
حواء ، ما هذا الذي في بطنك ؟ فقالت : ما أدري . فقال : من أين يخرج ؟ من أنفك ، أو من عينك ، أو من أذنك ؟ قالت : لا أدري . قال : أرأيت إن خرج سليما أمطيعتي أنت فيما آمرك به ؟ قالت : نعم . قال : سميه "
عبد الحارث " ! وقد كان يسمى إبليس الحارث فقالت : نعم . ثم قالت بعد ذلك
لآدم : أتاني آت في النوم فقال لي كذا وكذا ، فقال : إن ذلك الشيطان فاحذريه ، فإنه عدونا الذي أخرجنا من الجنة ! ثم أتاها إبليس ، فأعاد عليها ، فقالت : نعم . فلما وضعته أخرجه الله سليما ، فسمته "
عبد الحارث " فهو قوله : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ) .
15524 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
جرير وابن فضيل ، عن
عبد الملك ، عن
سعيد بن جبير قال : قيل له : أشرك
آدم ؟ قال : أعوذ بالله أن أزعم أن
آدم أشرك ، ولكن
حواء لما أثقلت ، أتاها إبليس فقال لها : من أين يخرج هذا ، من أنفك ، أو من عينك ، أو من فيك ؟ فقنطها ، ثم قال : أرأيت إن خرج سويا زاد
ابن فضيل : لم يضرك ولم يقتلك أتطيعيني ؟ قالت : نعم . قال : فسميه "
عبد الحارث " ! ففعلت زاد
جرير : فإنما كان شركه في الاسم .
15525 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : فولدت غلاما يعني
حواء فأتاهما إبليس فقال : سموه عبدي وإلا قتلته ! قال له
آدم عليه السلام : قد أطعتك وأخرجتني من الجنة ! فأبى أن
[ ص: 314 ] يطيعه ، فسماه "
عبد الرحمن " ، فسلط الله عليه إبليس فقتله . فحملت بآخر ، فلما ولدته قال لها : سميه عبدي وإلا قتلته ! قال له
آدم : قد أطعتك فأخرجتني من الجنة ! فأبى ، فسماه "
صالحا " فقتله . فلما أن كان الثالث قال لهما : فإذ غلبتموني فسموه "
عبد الحارث " ، وكان اسم إبليس ، وإنما سمي " إبليس " حين أبلس فعنوا ، فذلك حين يقول الله تبارك وتعالى : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ، يعني في التسمية .
وقال آخرون : بل المعني بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بني آدم ، جعلا لله شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما ما رزقهما من الولد . وقالوا : معنى الكلام : (
هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها ) : أي هذا الرجل الكافر ، ( حملت حملا خفيفا فلما أثقلت ) دعوتما الله ربكما . قالوا : وهذا مما ابتدئ به الكلام على وجه الخطاب ، ثم رد إلى الخبر عن الغائب ، كما قيل : (
هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) ، [ سورة يونس : 22 ] وقد بينا نظائر ذلك بشواهده فيما مضى قبل .
ذكر من قال ذلك :
15526 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
سهل بن يوسف ، عن
عمرو ، عن
الحسن : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما ) قال : كان هذا في بعض أهل الملل ، ولم يكن
بآدم .
15527 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
[ ص: 315 ] معمر قال . قال
الحسن : عني بهذا ذرية
آدم ، من أشرك منهم بعده يعني بقوله : (
فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ) .
15528 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : كان
الحسن يقول : هم
اليهود والنصارى ، رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب ، قول من قال : عنى بقوله : (
فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء ) في الاسم لا في العبادة وأن المعني بذلك
آدم وحواء ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك .
فإن قال قائل : فما أنت قائل إذ كان الأمر على ما وصفت في تأويل هذه الآية ، وأن المعني بها
آدم وحواء في قوله : (
فتعالى الله عما يشركون ) ؟ أهو استنكاف من الله أن يكون له في الأسماء شريك ، أو في العبادة ؟ فإن قلت : " في الأسماء " دل على فساده قوله : (
أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ) ؟ فإن قلت : " في العبادة " ، قيل لك : أفكان
آدم أشرك في عبادة الله غيره ؟
قيل له : إن القول في تأويل قوله : (
فتعالى عما يشركون ) ، ليس بالذي ظننت ، وإنما القول فيه : فتعالى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان . فأما الخبر عن
آدم وحواء ، فقد انقضى عند قوله : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ، ثم استؤنف قوله : (
فتعالى الله عما يشركون ) ، كما : -
15529 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، قوله : (
فتعالى الله عما يشركون ) ، يقول : هذه فصل من آية
آدم ، خاصة في آلهة العرب .
[ ص: 316 ]
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( شركاء ) ،
فقرأ ذلك عامة قرأة
أهل المدينة وبعض المكيين
والكوفيين : " جعلا له شركا " بكسر الشين ، بمعنى الشركة .
وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة
الكوفيين وبعض
البصريين : (
جعلا له شركاء ) ، بضم الشين ، بمعنى جمع " شريك " .
قال
أبو جعفر : وهذه القراءة أولى القراءتين بالصواب ، لأن القراءة لو صحت بكسر الشين ، لوجب أن يكون الكلام : فلما أتاهما صالحا جعلا لغيره فيه شركا لأن
آدم وحواء لم يدينا بأن ولدهما من عطية إبليس ، ثم يجعلا لله فيه شركا لتسميتهما إياه ب " عبد الله " ، وإنما كانا يدينان لا شك بأن ولدهما من رزق الله وعطيته ، ثم سمياه "
عبد الحارث " ، فجعلا لإبليس فيه شركا بالاسم .
فلو كانت قراءة من قرأ : " شركا " ، صحيحة ، وجب ما قلنا ، أن يكون الكلام : جعلا لغيره فيه شركا . وفي نزول وحي الله بقوله : ( جعلا له ) ، ما يوضح عن أن الصحيح من القراءة : ( شركاء ) ، بضم الشين على ما بينت قبل .
فإن قال قائل : فإن
آدم وحواء إنما سميا ابنهما "
عبد الحارث " ، و"
الحارث " واحد ، وقوله : ( شركاء ) ، جماعة ، فكيف وصفهما جل ثناؤه بأنهما "
جعلا له شركاء " ، وإنما أشركا واحدا !
قيل : قد دللنا فيما مضى على أن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة ، إذا لم تقصد واحدا بعينه ولم تسمه ، كقوله : (
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) ، [ سورة آل عمران : 173 ] وإنما كان القائل ذلك واحدا ،
[ ص: 317 ] فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الجماعة ، إذ لم يقصد قصده ، وذلك مستفيض في كلام العرب وأشعارها .
وأما قوله : (
فتعالى الله عما يشركون ) ، فتنزيه من الله تبارك وتعالى نفسه ، وتعظيم لها عما يقول فيه المبطلون ، ويدعون معه من الآلهة والأوثان ، كما : -
15530 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
فتعالى الله عما يشركون ) قال : هو الإنكاف ، أنكف نفسه جل وعز يقول : عظم نفسه وأنكفته الملائكة وما سبح له .
15531 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
ابن عيينة قال : سمعت صدقة يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : هذا من الموصول والمفصول ، قوله : (
جعلا له شركاء فيما آتاهما ) ، في شأن
آدم وحواء ، ثم قال الله تبارك وتعالى : (
فتعالى الله عما يشركون ) قال : عما يشرك المشركون ، ولم يعنهما .
[ ص: 318 ]