القول في
تأويل قوله ( وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ( 202 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي . يعني بقوله : ( يمدونهم ) ، يزيدونهم ، ثم لا ينقصون عما نقص عنه
[ ص: 338 ] الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان .
وإنما هذا خبر من الله عن فريقي الإيمان والكفر ، بأن
فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلهم الشيطان تذكروا عظمة الله وعقابه ، فكفتهم رهبته عن معاصيه ، وردتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله مما كان منهم زلة وأن
فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله ، ولا يحجزهم تقوى الله ، ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها ، فهو أبدا في زيادة من ركوب الإثم ، والشيطان يزيده أبدا ، لا يقصر الإنسي عن شيء من ركوب الفواحش ، ولا الشيطان من مده منه ، كما : -
15564 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : (
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) قال : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تمسك عنهم .
15565 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) ، يقول : هم الجن ، يوحون إلى أوليائهم من الإنس (
ثم لا يقصرون ) ، يقول : لا يسأمون .
15566 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
وإخوانهم يمدونهم في الغي ) ، إخوان الشياطين من المشركين ، يمدهم الشيطان في الغي (
ثم لا يقصرون ) ،
15567 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال :
[ ص: 339 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال
عبد الله بن كثير : وإخوانهم من الجن ، يمدون إخوانهم من الإنس (
ثم لا يقصرون ) ، يقول لا يقصر الإنسان . قال : و" المد " الزيادة ، يعني : أهل الشرك ، يقول : لا يقصر أهل الشرك ، كما يقصر الذين اتقوا ، لا يرعوون ، لا يحجزهم الإيمان قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال
مجاهد ( وإخوانهم ) ، من الشياطين (
يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) ، استجهالا يمدون أهل الشرك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) ، [ سورة الأعراف : 179 ] . قال : فهؤلاء الإنس . يقول الله : (
وإخوانهم يمدونهم في الغي ) .
15568 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثني
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) قال : إخوان الشياطين ، يمدهم الشياطين في الغي (
ثم لا يقصرون ) .
15569 - حدثنا
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( وإخوانهم ) ، من الشياطين . (
يمدونهم في الغي ) ، استجهالا .
وكان بعضهم يتأول قوله : (
ثم لا يقصرون ) ، بمعنى : ولا الشياطين يقصرون في مدهم إخوانهم من الغي .
ذكر من قال ذلك :
15570 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) ، عنهم ، ولا يرحمونهم .
قال
أبو جعفر : وقد بينا أولى التأويلين عندنا بالصواب . وإنما اخترنا ما اخترنا
[ ص: 340 ] من القول في ذلك على ما بيناه ، لأن الله وصف في الآية قبلها أهل الإيمان به ، وارتداعهم عن معصيته وما يكرهه إلى محبته عند تذكرهم عظمته ، ثم أتبع ذلك الخبر عن إخوان الشياطين وركوبهم معاصيه ، فكان الأولى وصفهم بتماديهم فيها ، إذ كان عقيب الخبر عن تقصير المؤمنين عنها .
وأما قوله : ( يمدونهم ) ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .
فقرأه بعض المدنيين : " يمدونهم " بضم الياء من " أمددت " .
وقرأته عامة قرأة الكوفيين والبصريين : ( يمدونهم ) ، بفتح الياء من " مددت " .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : ( يمدونهم ) ، بفتح الياء ، لأن الذي يمد الشياطين إخوانهم من المشركين ، إنما هو زيادة من جنس الممدود ، وإذا كان الذي مد من جنس الممدود ، كان كلام العرب " مددت " لا " أمددت " .
وأما قوله : ( يقصرون ) ، فإن القرأة على لغة من قال : " أقصرت أقصر " . وللعرب فيه لغتان : " قصرت عن الشيء " و" أقصرت عنه " .