القول في
تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ( 15 )
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( 16 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله (
إذا لقيتم الذين كفروا ) في القتال ( زحفا ) ، يقول : متزاحفا بعضكم إلى بعض و" التزاحف " ، التداني والتقارب "
فلا تولوهم الأدبار " ، يقول : فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم ، ولكن اثبتوا لهم ، فإن الله معكم عليهم "
ومن يولهم يومئذ دبره " ، يقول : ومن يولهم منكم ظهره (
إلا متحرفا لقتال ) ، يقول : إلا مستطردا لقتال عدوه ، يطلب عورة له يمكنه إصابتها فيكر عليه (
أو متحيزا إلى فئة ) أو : إلا أن يوليهم ظهره متحيزا إلى فئة ، يقول : صائرا إلى حيز المؤمنين الذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم ، ويرجعون به إليهم معهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15795 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
أبو خالد الأحمر ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : (
إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) ، قال : " المتحرف " ، المتقدم من أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها . قال ، و" المتحيز " ، الفار إلى
[ ص: 436 ] النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وكذلك من فر اليوم إلى أميره أو أصحابه . قال
الضحاك : وإنما هذا وعيد من الله لأصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ، أن لا يفروا . وإنما كان النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فئتهم .
15796 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) ، أما " المتحرف " ، يقول : إلا مستطردا ، يريد العودة (
أو متحيزا إلى فئة ) ، قال : " المتحيز " ، إلى الإمام وجنده إن هو كر فلم يكن له بهم طاقة ، ولا يعذر الناس وإن كثروا أن يولوا عن الإمام .
واختلف أهل العلم في حكم قول الله عز وجل : (
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم ) ، هل هو خاص في أهل
بدر ، أم هو في المؤمنين جميعا ؟
فقال قوم : هو لأهل
بدر خاصة ، لأنه لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدوه وينهزموا عنه ، فأما اليوم فلهم الانهزام .
ذكر من قال ذلك :
15797 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال ، حدثنا
عبد الأعلى قال ، حدثنا
داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة في قول الله عز وجل : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : ذاك يوم
بدر ، ولم يكن لهم أن ينحازوا ، ولو انحاز أحد لم ينحز إلا إلى ، قال
أبو موسى : يعني : إلى المشركين .
[ ص: 437 ]
15798 - حدثنا
إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا
خالد ، عن
داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
أبي سعيد قوله عز وجل : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال : ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين ، ولم يكن يومئذ مسلم في الأرض غيرهم .
15799 - حدثنا
حميد بن مسعدة قال ، حدثنا
بشر بن مفضل قال ، حدثنا
داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
أبي سعيد قال : نزلت في يوم
بدر : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) .
15800 - حدثني ابن
المثنى ،
وعلي بن مسلم الطوسي قال
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى : حدثني
عبد الصمد وقال
علي : حدثنا
عبد الصمد قال ، حدثنا
شعبة ، عن
داود ، يعني
ابن أبي هند ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
أبي سعيد : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : يوم
بدر قال
أبو موسى : حدثت أن في كتاب غندر هذا الحديث : عن
داود ، عن
الشعبي ، عن
أبي سعيد .
15801 - حدثنا
أحمد بن محمد الطوسي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : إنما كان ذلك يوم
بدر ، لم يكن للمسلمين فئة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما بعد ذلك ، فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض .
15802 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
عبد الأعلى قال ، حدثنا
داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : هذه نزلت في أهل بدر .
15803 - حدثنا
يعقوب قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
ابن عون قال :
[ ص: 438 ] كتبت إلى
نافع أسأله عن قوله : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، أكان ذلك اليوم ، أم هو بعد ؟ قال : وكتب إلي : " إنما كان ذلك يوم
بدر " .
15804 - حدثنا
علي بن سهل قال ، حدثنا
زيد ، عن
سفيان ، عن
جويبر ، عن
الضحاك قال : إنما كان الفرار يوم
بدر ، ولم يكن لهم ملجأ يلجأون إليه . فأما اليوم ، فليس فرارا .
15805 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
الربيع ، عن
الحسن : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : كانت هذه يوم
بدر خاصة ، ليس الفرار من الزحف من الكبائر .
15806 - . . . . قال ، حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن رجل ، عن
الضحاك : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : كانت هذه يوم
بدر خاصة .
15807 - . . . . قال ، حدثنا
روح بن عبادة ، عن
حبيب بن الشهيد ، عن
الحسن : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : نزلت في أهل بدر .
15808 - حدثنا
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : ذلكم يوم
بدر .
15809 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
سويد قال ، أخبرنا
ابن المبارك . عن
المبارك بن فضالة ، عن
الحسن : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : ذلك يوم
بدر . فأما اليوم ، فإن انحاز إلى فئة أو مصر أحسبه قال : فلا بأس به .
15810 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
قبيصة بن عقبة قال ، حدثنا
سفيان ، عن
ابن عون قال : كتبت إلى
نافع : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : إنما هذا يوم
بدر .
15811 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
سويد بن نصر قال ، حدثنا
ابن المبارك ، عن
ابن لهيعة قال ، حدثني
يزيد بن أبي حبيب قال : أوجب الله لمن فر يوم
بدر النار . قال : (
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله )
[ ص: 439 ] ، فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال : (
إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ) [ سورة آل عمران : 155 ] . ثم كان حنين ، بعد ذلك بسبع سنين فقال : (
ثم وليتم مدبرين ) [ سورة التوبة : 25 ] : (
ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ) [ سورة التوبة : 27 ] .
15812 - حدثني
يعقوب قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال ، حدثنا
ابن عون ، عن
محمد ، أن
عمر رحمة الله عليه بلغه قتل
أبي عبيد فقال : لو تحيز إلي ! إن كنت لفئة !
15813 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
سويد قال ، حدثنا
ابن المبارك ، عن
جرير بن حازم قال ، حدثني
قيس بن سعد قال : سألت
عطاء بن أبي رباح عن قوله : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) ، قال : هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال : (
الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ) ، [ سورة الأنفال : 66 ] . قال : وليس لقوم أن يفروا من مثليهم . قال : ونسخت تلك إلا هذه العدة .
15814 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
سويد قال ، أخبرنا
ابن المبارك ، عن
[ ص: 440 ] سليمان التيمي ، عن
أبي عثمان قال : لما قتل
أبو عبيد ، جاء الخبر إلى
عمر فقال : يا أيها الناس ، أنا فئتكم .
15815 - . . . . قال :
ابن المبارك ، عن
معمر nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري وابن عيينة ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال : قال
عمر رضي الله عنه : أنا فئة كل مسلم .
وقال آخرون : بل هذه الآية حكمها عام في كل من ولى الدبر عن العدو منهزما .
ذكر من قال ذلك :
15816 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قال : أكبر الكبائر الشرك بالله ، والفرار من الزحف ، لأن الله عز وجل يقول : (
ومن يولهم يومئذ دبره فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين في هذه الآية بالصواب عندي قول من قال : حكمها محكم ، وأنها نزلت في
أهل بدر ، وحكمها ثابت في جميع المؤمنين ، وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو ، أن يولوهم الدبر منهزمين إلا لتحرف القتال ، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام ، وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتال منهزما بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من الله وعيده ، إلا أن يتفضل عليه بعفوه .
وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة ، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا
[ ص: 441 ] وغيره : أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ ، وله في غير النسخ وجه ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، من خبر يقطع العذر ، أو حجة عقل ، ولا حجة من هذين المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله عز وجل : (
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) .
وأما قوله : (
فقد باء بغضب من الله ) ، يقول : فقد رجع بغضب من الله (
ومأواه جهنم ) ، يقول : ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنم " وبئس المصير " ، يقول : وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك المصير .