القول في
تأويل قوله ( واعلموا أنما غنمتم من شيء )
قال
أبو جعفر : وهذا تعليم من الله عز وجل المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها .
يقول تعالى ذكره : واعلموا ، أيها المؤمنون ، أن ما غنمتم من غنيمة . * * *
واختلف أهل العلم في معنى " الغنيمة " و" الفيء " .
فقال بعضهم : فيهما معنيان ، كل واحد منهما غير صاحبه .
* ذكر من قال ذلك :
16087 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
حميد بن عبد الرحمن ، عن
الحسن بن صالح قال : سألت
عطاء بن السائب عن هذه الآية : "
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " ، وهذه الآية : (
ما أفاء الله على رسوله ) [ سورة الحشر : 7 ] ، قال قلت : ما " الفيء " ، وما " الغنيمة " ؟ قال : إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم ، وأخذوهم عنوة ، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو " غنيمة " ، وأما الأرض فهو في سوادنا هذا " فيء " . * * *
وقال آخرون : " الغنيمة " ، ما أخذ عنوة ، و" الفيء " ، ما كان عن صلح .
* ذكر من قال ذلك :
16088 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري قال :
[ ص: 546 ] " الغنيمة " ، ما أصاب المسلمون عنوة بقتال ، فيه الخمس ، وأربعة أخماسه لمن شهدها . و" الفيء " ، ما صولحوا عليه بغير قتال ، وليس فيه خمس ، هو لمن سمى الله . * * *
وقال آخرون : " الغنيمة " و" الفيء " ، بمعنى واحد . وقالوا : هذه الآية التي في " الأنفال " ، ناسخة قوله : (
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ) الآية ، [ سورة الحشر : 7 ] .
* ذكر من قال ذلك :
16089 - حدثنا
ابن بشار قال ، حدثنا
عبد الأعلى قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : (
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) ، قال : كان الفيء في هؤلاء ، ثم نسخ ذلك في " سورة الأنفال " ، فقال : "
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " ، فنسخت هذه ما كان قبلها في " سورة الأنفال " ، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في " سورة الحشر " ، وسائر ذلك لمن قاتل عليه . * * *
وقد بينا فيما مضى " الغنيمة " ، وأنها المال يوصل إليه من مال من خول الله ماله أهل دينه ، بغلبة عليه وقهر بقتال . * * *
فأما " الفيء " ، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك ، وهو
[ ص: 547 ] ما رده عليهم منها بصلح ، من غير إيجاف خيل ولا ركاب . وقد يجوز أن يسمى ما ردته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم " فيئا " ، لأن " الفيء " ، إنما هو مصدر من قول القائل : " فاء الشيء يفيء فيئا " ، إذا رجع و" أفاءه الله " ، إذا رده .
غير أن الذي رد حكم الله فيه من الفيء بحكمه في " سورة الحشر " ، إنما هو ما وصفت صفته من الفيء ، دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب ، لعلل قد بينتها في كتاب : ( كتاب لطيف القول ) ، في أحكام شرائع الدين ، وسنبينه أيضا في تفسير " سورة الحشر " ، إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى . * * *
وأما قول من قال : الآية التي في " سورة الأنفال " ، ناسخة الآية التي في " سورة الحشر " ، فلا معنى له ، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الأخرى . وقد بينا معنى " النسخ " ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكم خلافه ، في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . * * *
وأما قوله : " من شيء " ، فإنه مراد به : كل ما وقع عليه اسم " شيء " ، مما خوله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين ، مما وقع فيه القسم ، حتى الخيط والمخيط ، كما : -
16090 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال ، حدثنا
عبد الرحمن قال ، حدثنا
[ ص: 548 ] سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد قوله : "
واعلموا أنما غنمتم من شيء " ، قال : المخيط من " الشيء " .
16091 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد بمثله .
16092 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو نعيم الفضل قال ، حدثنا
سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد ، مثله . * * *