القول في
تأويل قوله ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ( 47 ) )
قال
أبو جعفر : وهذا تقدم من الله جل ثناؤه إلى المؤمنين به وبرسوله ، أن لا يعملوا عملا إلا لله خاصة ، وطلب ما عنده ، لا رئاء الناس ، كما فعل القوم من المشركين في مسيرهم إلى بدر طلب رئاء الناس . وذلك أنهم أخبروا بفوت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقيل لهم : " انصرفوا فقد سلمت العير التي جئتم لنصرتها ! " ، فأبوا وقالوا : " نأتي بدرا فنشرب بها الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتتحدث بنا العرب فيها " ، فسقوا مكان الخمر كؤوس المنايا ، كما -
16171 - حدثنا
عبد الوارث بن عبد الصمد قال ، حدثني أبي قال ، حدثنا
أبان قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن
عروة قال : كانت
قريش قبل أن يلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم
بدر ، قد جاءهم راكب من
أبي سفيان والركب الذين معه : إنا قد أجزنا القوم ، وأن ارجعوا . فجاء الركب الذين بعثهم
أبو سفيان الذين يأمرون
قريشا بالرجعة بالجحفة ، فقالوا : " والله لا نرجع حتى ننزل بدرا ، فنقيم فيه ثلاث ليال ، ويرانا من غشينا من أهل الحجاز ، فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا " . وهم الذين قال الله : "
الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس " ، والتقوا هم والنبي صلى الله عليه وسلم ، ففتح الله على رسوله ، وأخزى أئمة الكفر ،
[ ص: 579 ] وشفى صدور المؤمنين منهم .
16172 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة قال ، حدثني
ابن إسحاق في حديث ذكره قال ، حدثني
محمد بن مسلم ، وعاصم بن عمر ،
وعبد الله بن أبي بكر ،
ويزيد بن رومان ، عن
عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، عن
ابن عباس قال : لما رأى
أبو سفيان أنه أحرز عيره ، أرسل إلى
قريش : إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاها الله ، فارجعوا ! فقال
أبو جهل بن هشام : والله لا نرجع حتى نرد بدرا - وكان "
بدر " موسما من مواسم العرب ، يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم عليه ثلاثا ، وننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمور ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا ، فامضوا .
16173 - قال
ابن حميد حدثنا
سلمة قال ، قال
ابن إسحاق : "
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس " ، أي : لا تكونوا
كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا : " لا نرجع حتى نأتي
بدرا ، وننحر الجزر ، ونسقي بها الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا " ، أي : لا يكونن أمركم رياء ولا سمعة ، ولا التماس ما عند الناس ، وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم ، وموازرة نبيكم ، أي : لا تعملوا إلا لله ، ولا تطلبوا غيره .
16174 - حدثني
محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى قال ، أخبرنا
إسرائيل وحدثنا
أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا
أبو أحمد قال ،
[ ص: 580 ] حدثنا
إسرائيل عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس " ، قال : أصحاب
بدر .
16175 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : "
بطرا ورئاء الناس " ، قال :
أبو جهل وأصحابه يوم
بدر .
16176 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد مثله قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وقال
عبد الله بن كثير : هم مشركو
قريش ، وذلك خروجهم إلى
بدر .
16177 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس " ، يعني : المشركين الذي قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
بدر .
16178 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : "
خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس " ، قال : هم
قريش وأبو جهل وأصحابه ، الذين خرجوا يوم
بدر .
16179 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط " ، قال : كان مشركو
قريش الذين قاتلوا نبي الله يوم
بدر ، خرجوا ولهم بغي وفخر . وقد قيل لهم يومئذ : " ارجعوا ، فقد انطلقت عيركم ، وقد ظفرتم " . قالوا : " لا والله ، حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا ! " . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : "
اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادك ورسولك " !
16180 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ،
[ ص: 581 ] حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : ذكر المشركين وما يطعمون على المياه فقال : "
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله " .
16181 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال ، سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا
عبيد بن سليمان قال ، سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
الذين خرجوا من ديارهم بطرا " ، قال : هم المشركون ، خرجوا إلى
بدر أشرا وبطرا .
16182 - حدثني
الحارث قال ، حدثنا
عبد العزيز قال ، حدثنا
أبو معشر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي قال : لما خرجت
قريش من
مكة إلى
بدر ، خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل الله : "
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط " . * * *
قال
أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا : ولا تكونوا ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ، في العمل بالرياء والسمعة ، وترك إخلاص العمل لله ، واحتساب الأجر فيه ، كالجيش من أهل الكفر بالله ورسوله الذين خرجوا من منازلهم بطرا ومراءاة الناس بزيهم وأموالهم وكثرة عددهم وشدة بطانتهم "
ويصدون عن سبيل الله " ، يقول : ويمنعون الناس من دين الله والدخول في الإسلام ، بقتالهم إياهم ، وتعذيبهم من قدروا عليه من أهل الإيمان بالله " والله بما يعملون " ، من الرياء والصد عن سبيل الله ، وغير ذلك من أفعالهم " محيط " ، يقول : عالم بجميع ذلك ، لا يخفى عليه منه شيء ، وذلك أن الأشياء كلها له متجلية ، لا يعزب عنه منها شيء ، فهو لهم بها معاقب ، وعليها معذب .