القول في
تأويل قوله ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ( 49 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : (
وإن الله لسميع عليم ) ، في هذه الأحوال (
وإذ يقول المنافقون ) ، وكر بقوله : (
إذ يقول المنافقون ) ، على قوله : (
إذ يريكهم الله في منامك قليلا ) (
والذين في قلوبهم مرض ) ، يعني : شك في الإسلام ، لم يصح يقينهم ، ولم تشرح بالإيمان صدورهم (
غر هؤلاء دينهم ) ، يقول : غر هؤلاء الذين يقاتلون المشركين من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم من أنفسهم ، دينهم وذلك الإسلام .
وذكر أن الذين قالوا هذا القول ، كانوا نفرا ممن كان قد تكلم بالإسلام من مشركي
قريش ، ولم يستحكم الإسلام في قلوبهم .
[ ص: 13 ]
ذكر من قال ذلك :
16193 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
داود ، عن
عامر في هذه الآية : (
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) ، قال : كان ناس من
أهل مكة تكلموا بالإسلام ، فخرجوا مع المشركين يوم
بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : (
غر هؤلاء دينهم ) .
16194 - حدثني
إسحاق بن شاهين قال : حدثنا
خالد ، عن
داود ، عن
عامر ، مثله .
16195 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز قال : حدثنا
يحيى بن زكريا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد في قوله : (
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) ، قال : فئة من
قريش :
أبو قيس بن الوليد بن المغيرة ،
وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ،
والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب ،
وعلي بن أمية بن خلف ،
والعاصي بن منبه بن الحجاج ؛ خرجوا مع
قريش من
مكة وهم على الارتياب ، فحبسهم ارتيابهم ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : (
غر هؤلاء دينهم ) ، حتى قدموا على ما قدموا عليه ، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم ، فشرد بهم من خلفهم .
16196 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
[ ص: 14 ] معمر ، عن
الحسن : (
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) ، قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم
بدر ، فسموا "منافقين" قال
معمر : وقال بعضهم : قوم كانوا أقروا بالإسلام وهم
بمكة ، فخرجوا مع المشركين يوم
بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : (
غر هؤلاء دينهم ) .
16197 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) إلى قوله : (
فإن الله عزيز حكيم ) ، قال : رأوا عصابة من المؤمنين تشردت لأمر الله . وذكر لنا أن
أبا جهل عدو الله لما أشرف على
محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال : "والله لا يعبد الله بعد اليوم!" ، قسوة وعتوا .
16198 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في قوله : (
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) ، قال : ناس كانوا من المنافقين
بمكة ، قالوه يوم
بدر ، وهم يومئذ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا .
16199 - . . . قال حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في قوله : (
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) ، قال : لما دنا القوم بعضهم من بعض ، فقلل الله المسلمين في أعين المشركين ، وقلل المشركين في أعين المسلمين ، فقال المشركون : (
غر هؤلاء دينهم ) ، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم ، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك ، فقال الله : (
ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ) .
وأما قوله : (
ومن يتوكل على الله ) ، فإن معناه : ومن يسلم أمره إلى الله ،
[ ص: 15 ] ويثق به ، ويرض بقضائه ، فإن الله حافظه وناصره لأنه "عزيز" ، لا يغلبه شيء ، ولا يقهره أحد ، فجاره منيع ، ومن يتوكل عليه مكفي .
وهذا أمر من الله - جل ثناؤه - المؤمنين به من أصحاب رسول الله وغيرهم ، أن يفوضوا أمرهم إليه ، ويسلموا لقضائه ، كيما يكفيهم أعداءهم ، ولا يستذلهم من ناوأهم ، لأنه "عزيز" غير مغلوب ، فجاره غير مقهور ، "حكيم" ، يقول : هو فيما يدبر من أمر خلقه حكيم ، لا يدخل تدبيره خلل .