القول في
تأويل قوله ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إن الذين صدقوا الله ورسوله "وهاجروا" ، يعني : هجروا قومهم وعشيرتهم ودورهم ، يعني : تركوهم وخرجوا عنهم ، وهجرهم قومهم وعشيرتهم (
وجاهدوا في سبيل الله ) ، يقول : بالغوا في إتعاب نفوسهم وإنصابها في حرب أعداء الله من الكفار (
في سبيل الله ) ، يقول : في دين الله الذي جعله طريقا إلى رحمته والنجاة من عذابه (
والذين آووا ونصروا ) ، يقول : والذين آووا رسول الله
والمهاجرين معه ، يعني : أنهم جعلوا لهم مأوى يأوون إليه ، وهو المثوى والمسكن ، يقول : أسكنوهم ، وجعلوا لهم من منازلهم مساكن إذ أخرجهم قومهم من منازلهم ( ونصروا ) ، يقول : ونصروهم على أعدائهم وأعداء الله من المشركين (
أولئك بعضهم أولياء بعض ) ، يقول : هاتان الفرقتان ، يعني
المهاجرين والأنصار ، بعضهم أنصار بعض ، وأعوان على من سواهم من
[ ص: 78 ] المشركين ، وأيديهم واحدة على من كفر بالله ، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار .
وقد قيل : إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض ، وأن الله ورث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة ، دون القرابة والأرحام ، وأن الله نسخ ذلك بعد بقوله : (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ، [ سورة الأنفال : 75 \ وسورة الأحزاب : 6 ] .
ذكر من قال ذلك :
16331 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ) ، يعني : في الميراث ، جعل الميراث
للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام ، قال الله : (
والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) ، يقول : ما لكم من ميراثهم من شيء ، وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية : (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ سورة الأنفال : 75 \ وسورة الأحزاب : 6 ] ، في الميراث ، فنسخت التي قبلها ، وصار الميراث لذوي الأرحام .
16332 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) ، يقول : لا هجرة بعد الفتح ، إنما هو الشهادة بعد ذلك (
والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ) ، إلى قوله : (
حتى يهاجروا ) . وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل : منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة ، خرج إلى
[ ص: 79 ] قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم و (
آووا ونصروا ) ، وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة ، وشهروا السيوف على من كذب وجحد ، فهذان مؤمنان ، جعل الله بعضهم أولياء بعض ، فكانوا يتوارثون بينهم ، إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الأنصاري بالولاية في الدين . وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر ، فبرأ الله المؤمنين
المهاجرين من ميراثهم ، وهي الولاية التي قال الله : (
ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) . وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا ، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق ، فلا نصر لهم عليهم ، إلا على العدو الذين لا ميثاق لهم ، ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا ، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا بقوله : (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ) [ سورة الأنفال : 75 ] ، وبقوله : (
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) [ سورة التوبة : 71 ] .
16333 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال : الثلاث الآيات خواتيم الأنفال ، فيهن ذكر ما كان من ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مهاجري المسلمين وبين
الأنصار في الميراث ، ثم نسخ ذلك آخرها : (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ) .
16334 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عبد الله بن كثير قوله : (
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ) ، إلى قوله : (
بما تعملون بصير ) ، قال : بلغنا أنها كانت في الميراث ، لا يتوارث المؤمنون الذين هاجروا ، والمؤمنون الذين لم يهاجروا . قال : ثم نزل بعد : (
فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ) ، فتوارثوا ولم يهاجروا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
مجاهد : خواتيم "الأنفال" الثلاث الآيات ، فيهن ذكر ما كان والى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
المهاجرين المسلمين وبين
الأنصار في الميراث ، ثم نسخ ذلك آخرها : (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) .
16335 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا ) ، إلى قوله : (
ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) ، قال : لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة ، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئا ، فنسخ ذلك بعد ذلك ، فألحق الله (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) ، [ سورة الأحزاب : 6 ] ، أي : من أهل الشرك ، فأجيزت الوصية ، ولا ميراث لهم ، وصارت المواريث بالملل ، والمسلمون يرث بعضهم بعضا من
المهاجرين والمؤمنين ، ولا يرث أهل ملتين .
16336 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، عن
الحسن ، عن
يزيد ، عن
عكرمة والحسن قالا (
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ) ، إلى قوله : (
ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) ، كان الأعرابي لا يرث المهاجر ، ولا يرثه المهاجر ، فنسخها فقال : (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ) .
16337 - حدثني
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال :
[ ص: 81 ] حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ) ، في الميراث (
والذين آمنوا ولم يهاجروا ) ، وهؤلاء الأعراب (
ما لكم من ولايتهم من شيء ) ، في الميراث (
وإن استنصروكم في الدين ) يقول : بأنهم مسلمون ( فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) ، في الميراث (
والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ) ، ثم نسختها الفرائض والمواريث ، "وأولو الأرحام" . الذين توارثوا على الهجرة (
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ، فتوارث الأعراب
والمهاجرون .