القول في تأويل قوله : (
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ( 19 ) )
قال
أبو جعفر : وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت ، فأعلمهم - جل ثناؤه - أن
الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله ، لا في الذي افتخروا به من السدانة والسقاية .
[ ص: 169 ]
وبذلك جاءت الآثار وتأويل أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16557 - حدثنا
أبو الوليد الدمشقي أحمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17108معاوية بن سلام ، عن جده
أبي سلام الأسود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير الأنصاري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811535كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام ! وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم ! فزجرهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . قال : ففعل ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
16558 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
[ ص: 170 ] معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم
بدر : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر
المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ! قال الله : (
أجعلتم سقاية الحاج ) ، إلى قوله : ( الظالمين ) ، يعني أن ذلك كان في الشرك ، ولا أقبل ما كان في الشرك .
16559 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
أجعلتم سقاية الحاج ) ، إلى قوله : ( الظالمين ) ، وذلك أن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون ، من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : (
قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون ) [ سورة المؤمنون : 66 ، 67 ] يعني أنهم يستكبرون بالحرم . وقال : ( به سامرا ) ، لأنهم كانوا يسمرون ، ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ، فخير الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية . ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به ، أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه . قال الله : (
لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) ، يعني : الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله "ظالمين" ، بشركهم ، فلم تغن عنهم العمارة شيئا .
16560 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن
النعمان بن بشير ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810573أن رجلا قال : ما أبالي أن لا [ ص: 171 ] أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج ! وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أعمر المسجد الحرام ! وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم! فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوم الجمعة ، ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه! فنزلت : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) ، إلى قوله : ( لا يستوون عند الله )
16561 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
عمرو ، عن
الحسن قال : نزلت في
علي ، وعباس ، وعثمان ، وشيبة ، تكلموا في ذلك ، فقال
العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
أقيموا على سقايتكم ، فإن لكم فيها خيرا .
16562 - . . . قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
ابن عيينة ، عن
إسماعيل ، عن
الشعبي قال : نزلت في
علي ، والعباس ، تكلما في ذلك .
16563 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرت عن
أبي صخر قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي يقول : افتخر
طلحة بن شيبة من
بني عبد الدار ،
nindex.php?page=showalam&ids=18وعباس بن عبد المطلب ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ، فقال
طلحة ، أنا صاحب البيت ، معي مفتاحه ، لو أشاء بت فيه ! وقال
عباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد! وقال
علي : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ! فأنزل الله : (
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) ، الآية كلها .
16564 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن قال :
لما نزلت ( أجعلتم سقاية الحاج ) ، قال العباس : [ ص: 172 ] ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا" .
16565 - حدثني
محمد بن الحسن قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ) ، قال : افتخر
علي ، وعباس ، nindex.php?page=showalam&ids=4137وشيبة بن عثمان ، فقال
العباس : أنا أفضلكم ، أنا أسقي حجاج بيت الله ! وقال
شيبة : أنا أعمر مسجد الله ! وقال
علي : أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجاهد معه في سبيل الله ! فأنزل الله : (
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ) ، إلى : ( نعيم مقيم ) .
16566 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
أجعلتم سقاية الحاج ) ، الآية ، أقبل المسلمون على
العباس وأصحابه الذين أسروا يوم
بدر يعيرونهم بالشرك ، فقال
العباس : أما والله لقد كنا نعمر
المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ! فأنزل الله : (
أجعلتم سقاية الحاج ) ، الآية .
قال
أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا : أجعلتم ، أيها القوم ، سقاية الحاج وعمارة
المسجد الحرام ، كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ( لا يستوون ) هؤلاء ، وأولئك ، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما ، لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملا (
والله لا يهدي القوم الظالمين ) ، يقول : والله لا يوفق لصالح الأعمال من كان به كافرا ولتوحيده جاحدا .
ووضع الاسم موضع المصدر في قوله : (
كمن آمن بالله ) ، إذ كان معلوما
[ ص: 173 ] معناه ، كما قال الشاعر :
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى ندي
فجعل خبر "الفتيان" ، "أن" ، وهو كما يقال : "إنما السخاء
حاتم ، والشعر
زهير " .