القول في تأويل قوله (
لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ( 42 ) )
قال
أبو جعفر : يقول - جل ثناؤه - للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت جماعة من أصحابه قد استأذنوه في التخلف عنه حين خرج إلى
تبوك ، فأذن لهم : لو كان ما تدعو إليه المتخلفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك إلى مغزاك الذي استنفرتهم إليه (
عرضا قريبا ) ، يقول : غنيمة حاضرة (
وسفرا قاصدا ) ، يقول : وموضعا قريبا سهلا (
لاتبعوك ) ، ونفروا معك إليهما ، ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد ، وكلفتهم سفرا شاقا عليهم ، لأنك استنهضتهم في وقت الحر ، وزمان القيظ وحين الحاجة إلى الكن (
وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ) ، يقول تعالى ذكره : وسيحلف لك ، يا
محمد ، هؤلاء المستأذنوك في ترك الخروج معك ، اعتذارا منهم إليك بالباطل ، لتقبل منهم عذرهم ، وتأذن لهم في التخلف عنك ، بالله كاذبين "
لو استطعنا لخرجنا معكم " ، يقول : لو أطقنا الخروج معكم بوجود السعة والمراكب والظهور وما لا بد للمسافر والغازي منه ، وصحة البدن والقوى ، لخرجنا معكم إلى عدوكم (
يهلكون أنفسهم ) ،
يقول : يوجبون لأنفسهم ، بحلفهم بالله كاذبين ، الهلاك والعطب ، لأنهم يورثونها سخط الله ، ويكسبونها أليم عقابه (
والله يعلم إنهم لكاذبون ) ، في حلفهم بالله : (
لو استطعنا لخرجنا معكم ) ، لأنهم كانوا للخروج مطيقين ، بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الأموال ، مما يحتاج إليه الغازي في غزوه ، والمسافر في سفره ،
[ ص: 272 ] وصحة الأبدان وقوى الأجسام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16760 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
لو كان عرضا قريبا ) ، إلى قوله ( لكاذبون ) ، إنهم يستطيعون الخروج ، ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم والشيطان ، وزهادة في الخير .
16761 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
لو كان عرضا قريبا ) ، قال : هي غزوة
تبوك .
16762 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق : (
والله يعلم إنهم لكاذبون ) ، أي : إنهم يستطيعون .